للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فإنكار المعاد عجب من الإنسان، وهو محض إنكار الرب والكفر به والجحد لإلهيته وقدرته وحكمته وعدله وسلطانه" (١).

ولما كان العبث قد قامت عليه البراهين القطعية، صار منكره كمنكر البديهيات، ومن هنا حكم العلماء بكفره، قال الإمام ابن العربي: فإن اليوم الآخر عرفناه بقدرته وبكلامه - تعالى - فأما علمنا له بقدرته: فإن القدرة على اليوم الأول، دليل على القدرة على اليوم الآخر، وأما علمنا له بالكلام: فبإخباره أنه فاعله، فإذا أنكر أحد البعث فقد أنكر القدرة والكلام، وكفر قطعاً بغير كلام (٢).

وقال الإمام الرازي: وإنما لزم من إنكار البعث الكفر بربهم، من حيث إن إنكار البعث لا يتم إلا بإنكار القدرة والعلم والصدق، ولما كان كل هذه الأشياء كفراً، ثبت أن إنكار البعث كفر بالله (٣).

[المطلب الثاني الشبه المتوهمة لإنكار البعث]

[المسألة الأولى: حكاية القرآن الكريم لشبه المنكرين للبعث والمعاد]

حكى القرآن الكريم حال منكري البعث، وأشار إلى مدى تخبطهم، وسرعة تقلبهم، ثم أظهر وأبان كمال القدرة الإلهية على إحياء الموتى، فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)} [الحج:٣ - ٤]. فأخبر القرآن عن بعض من انطمست فطرته واتبع هواه، وأعرض عن الحق، أنهم يتركون ما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -من الحق المبين، ويتبعوا أقوال الضالين المضلين فيجادلون بغير علم صحيح وإنما اتباعاً لناعق الشيطان، وقد كتب الله جل وعلا على من اتبعه وقلده، أن يضله في الدنيا، ويقوده في الآخرة إلى عذاب السعير (٤).


(١) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (١/ ١٤٦)
(٢) ابن العربي: أحكام القرآن، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ٣ ١٤٢٣ هـ (٢/ ٤٧٤).
(٣) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (١٩/ ١٠).
(٤) ابن كثير: تفسير ابن كثير (٥/ ٣٩٤)، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (١٢/ ٥).

<<  <   >  >>