وخلاصة الأمر: فإن المعاد والبعث حق لا ريب فيه، وإن اختلاف المختلفين في الحق، لا يوجب انقلاب الحق في نفسه، وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه، والحق في نفسه واحد، فلما ثبت أن هاهنا حقيقة موجودة لا محالة، وكان لا سبيل لنا في حياتنا هذه إلى الوقوف عليها وقوفاً يوجب الائتلاف، ويرفع عنا الاختلاف إذا كان الاختلاف مركوزا في فطرنا، وكان لا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه الجبلة ونقلها إلى جبلة غيرها، صح ضرورة أن لنا حياة أخرى غير هذه الحياة، فيها يرتفع الخلاف والعناد، وهذه الحال هي الحال التي وعد الله بالمصير إليها فقال:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ}[الأعراف:٤٣](١).
وما ذكر من أن اختلاف المختلفين لا يوجب انقلاب الحق في نفسه، يوجب ذكر شبه المنكرين، وتعلقات الجاحدين المكذبين، ليتبين ضعفها وسقوطها.
[المسألة الرابعة شبهات منكري البعث]
تعلق منكرو البعث بجملة من الشبهات، قادتهم إلى إنكار البعث والمعاد ومجموع هذه الشبهات تنقسم إلى قسمين: إما شبهات عقلية، استبعد لأجلها المنكرون البعث والمعاد، وإما شبهات فلسفية، سودت بها الكتب في محاولة بائسة يائسة لإنكار ما عُلم من دين الرسل بالاضطرار، وما تواترت فيه نصوص الوحيين.
وقد تستجد حسابات المنكرين والجاحدين للبعث والمعاد، وتتغير أطروحاتهم وتتغير أسباب إنكارهم، بناء لما أشربت قلوبهم من شبهات وتعلقت نفوسهم من أهواء، ففي العصور المتأخرة ظهرت جماعات من المنكرين المنسلخين من تعاليم الدين، ممن يعرفون أنهم أهل العقول والفكر والفهوم، فتأولوا النصوص المثبتة للبعث والمعاد، إلى ما يوافق أهواءهم ويماشى مع رغباتهم.
(١) الزركشي: البرهان في علوم القرآن، دار إحياء الكتب العربية، ط ١ ١٣٧٦ هـ (٢/ ٢٧).