للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا القول هو الذي تدل عليه ظواهر النصوص الشرعية، وأن سؤال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ليس المقصود منه سؤال المناقشة، وإنما هو مساءلتهم عن تبليغهم الدعوة إلى أقوامهم، لإقامة الحجة على المخالفين وبمثل هذا يُجاب عما ذكره بعض العلماء: من أن الأنبياء لا يسألون ولا يحاسبون (١)، فنفي الحساب عنهم هو حساب المناقشة والتقريع، ولذا قال جل وعلا: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)} [الحجر: ٩٢ - ٩٣]، وهذا فيه دلالة على العموم، يقول الإمام الرازي:" الآية تدل على أنه تعالى يحاسب كل عباده؛ لأنهم لا يخرجون عن أن يكونوا رسلاً، أو مرسلاً إليهم، ويبطل قول من يزعم: أنه لا حساب على الأنبياء والكفار" (٢).

فإن كان بعض المؤمنين يدخلون الجنة بغير حساب، فكيف بأنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، الذين حازوا كل السوابق واللواحق، لا شك أنهم أولى وأحرى، ولكن المقصود - كما ذكرنا - من سؤالهم، زيادة إقامة الحجة على المخالفين، قال الإمام القرطبي في هذا المقام:" والآية بعمومها تدل على سؤال الجميع ومحاسبتهم، كافرهم ومؤمنهم، إلا من دخل الجنة بغير حساب " (٣).

[المسألة الرابعة: حساب الكفار]

تنازع العلماء في الكفار، هل يحاسبون أم لا؟

وسبب التنازع: هو مرود النصوص المثبتة لعموم الحساب، والنصوص النافية لحساب الكفار، ومن هنا وقع التنازع، وفهِم كل فريق من الآيات الكريمة ما يدل على حساب الكفار من عدمه، ولذا كان منزع استدلال الفريقين في هذه المسألة، هو تنازع النصوص في الظاهر.

فمن النصوص المثبتة لحساب الكفار، قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)} [الحجر:٩٢ - ٩٣].


(١) السفاريني: لوامع الأنوار، مكتبة الخافقين - دمشق، ط ٢ - ١٤٠٢ هـ (٢/ ١٧٥)
(٢) الرازي: مفاتيح الغيب،، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (١٤/ ٢٠١)
(٣) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (١٠/ ١٤٠)، انظر: غالب عواجي: الحياة الآخرة هـ (٢/ ٩٤٦)

<<  <   >  >>