للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٩ - الشعور بالسعادة وإحياء الأمل في النفوس]

ليس بعد الاطمئنان والرضا، إلا القناعة والهدى، وهذا أمر يشعر المؤمن بسعادة غامرة، إذ هو يعيش في معية الرحمن، يرجو الخير المكنون في الجنان ولذا سيعيش بنفس عالية، تُحوِّل كل ألم إلى لذة، وكل هم وحزن إلى فرح يصدق فيه قول الشاعر:

ومن تكن العليا همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب (١)

إن الإيمان باليوم الآخر، يوم الجزاء والحساب، يحي الأمل في نفوس المؤمنين بأن الخير لا يضيع، والحق لا يُهدر، فتشعر النفس بالاطمئنان وتسكن خواطر الجَنَان، وعندها تسطع أشعة الأماني والطموح، فتمتد إلى ما وراء الماديات، فيعيش المرء بأمله سعيداً، محققا الفضائل والمكارم.

إن السعادة الحقيقية، التي تفارق السعادة الموهومة، هي التي بها تمام الخيرات، ومدارها: الاعتصام بالله تعالى وبحبله المتين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" من أراد السعادة الأبدية، فليلزم عتبة العبودية " (٢). ففيها السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.

إن السعادة كل السعادة في طاعة الله تعالى، وكل الربح في معاملته، وبين" العبد وبين السعادة والفلاح: قوة عزيمة، وصبر ساعة، وشجاعة نفس وثبات قلب، والفضل بين الله يؤتيه من يشاء " (٣).

إن من أشرف نعم الله تعالى وأعلاها السعادة الأخروية، وإياها قصد بقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)} [هود:١٠٨] إن السعادة الأخروية تعني: بقاء بلا فناء، ولذة بلا عناء، وسرور بلا حزن، وغنى بلا فقر، وكمال بلا نقصان وعز بلا ذل، وهذه السعادة لا تنال إلا بتزكية النفس وتكميلها، وذلك باكتساب الفضائل، واجتناب الرذائل.


(١) عمر الدسوقي: في الأدب الحديث (١/ ١٨٠)، والبيت لمحمود البارودي.
(٢) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (١/ ٤٢٩).
(٣) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (٢/ ١٠).

<<  <   >  >>