للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما وجد أمثال هؤلاء المجادلين المشككين في أمر البعث والمعاد، وُجد في القرآن الكريم ما يرد على أقوالهم، ويفند شبههم.

فالله عز وجل يخاطب هؤلاء المشككين لعلهم يفيقوا من غفلتهم ويستيقظوا من رقدتهم، فيقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)} [الأنعام:٢] وذلك أنهم لما أنكروا البعث وقالوا: من يحي العظام وهي رميم؟ أعلمهم الله تعالى بهذه الآية، أنه خلقهم من طين، وهو القادر على إعادة خلقهم وبعثهم بعد الموت، أثم بعد هذا البيان تمترون وتشكون وتختلفون، بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم، وأن من قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر (١).

وهكذا نجد أن القرآن الكريم يأتي على شبه المنكرين الجاحدين لأمر البعث شبهة شبهة، فيُبين ضعفها، ويكشف عوارها، ويقضي عليها (٢).

والمنكرون للبعث والمعاد لا يستندون إلى دليل، ولا يعتمدون في دعواهم إلى برهان، فغاية دعواهم، وأساس شبهتهم استبعادهم العودة إلى الحياة مرة أخرى، بعد أن تبلى أجسادهم وتصير تراباً، وقد حكى القرآن الكريم دعواهم الفاسدة، فقال سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩)} [الإسراء:٤٩]، وإنما قال المشركون المنكرون للبعث الجاحدون لأمر المعاد ما قالوا، إنكاراً واستبعاداً، وأقسموا على ذلك، قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨)} [النحل:٣٨].


(١) الخازن: لباب (٢/ ٩٨)، ابن الجوزي: زاد المسير (٢/ ٨) الجلالين: تفسير ص (١٦٢).
(٢) انظر: ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل (٧/ ٣٨٠).

<<  <   >  >>