للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخبر سبحانه وتعالى أنه سيظهر لهم ما كانوا يختلفون فيه من أمر البعث، ليعلموا أن ما أقسموا عليه من إنكار البعث هم فيه كاذبون، فقال سبحانه: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩)} [النحل:٣٩].

ولما كانوا كاذبين فيما أقسموا عليه من نفي البعث، أخبر سبحانه القادر على كل شيء، قدرته على أمر البعث فقال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)} [النحل:٤٠].

وفي الحديث القدسي الشريف، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله: {كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا} (١).

قال الإمام العراقي:" المراد هنا عبيد مخصوصون، وهم منكرو بعث الأجسام وهم كفرة العرب، وجعلوا مكذبين لله سبحانه وتعالى، لتكرار إخباره على ألسنة رسله ببعث العباد كلهم، وإعادة الأرواح إلى أجسادها " (٢).

ويدخل في الخطاب غيرهم ممن كذب بالبعث من عباد الأوثان، والدهرية والفلاسفة، والباطنية وأصحاب الديانات الفاسدة، التي تؤمن بالتناسخ وغيرهم.

"وكل ذلك كفر وتكذيب بالآيات القرآنية الدالة على الإعادة الجسمانية.

خلافاً لما ذهب إليه حمقى {كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: ١٧٩]، ولذا رد عليهم بقوله:" وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، بل هما يستويان في قدرتي، بل الإعادة أسهل " (٣).


(١) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب تفسير القرآن، باب {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [البقرة: ١١٦] ح (٤٤٨٢).
(٢) العراقي: طرح التثريب، مكتبة الباز - مكة، ط ١ ١٤٢٤ هـ (٨/ ١٦١).
(٣) القاري: مرقاة المفاتيح، دار الفكر - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (١/ ٩٤).

<<  <   >  >>