للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلا الأمرين خطيئة عظيمة، لكن التكذيب أعظم، لما في التكذيب والشتم الفظاعة والهول، أن المكذب منكر للحشر، يجعل الله كاذباً والقرآن المجيد الذي هو مشحون بإثباته مفترى، ويجعل حكمة الله في خلقه السماء والأرض عبثاً، والشاتم يحاول إزالة المخلوقات بأسرها، ويزاول تخريب السماوات من أجلها (١).

ولذا يقول عز وجل في سورة التين: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (٨)} [التين:٧ - ٨].

والخطاب في الآية موجه لبني آدم: "يعني: يا ابن آدم ما يكذبك بالجزاء في المعاد، وقد علمت البدأة، وعرفت أن من قدر على البداءة فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى، فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا؟ " (٢).

"وقيل: الخطاب موجه للكافر، توبيخاً وإلزاماً للحجة، أي: إذا عرفت أن الله خلقك في أحسن تقويم، وأنه يردك إلى أرذل العمر، وينقلك من حال إلى حال، فما يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء، وقد أخبرك النبي - صلى الله عليه وسلم - به" (٣).

وصوّب الإمام ابن تيمية قول من قال: إن مرجع الخطاب هو: النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "والصواب ما قاله الفراء والأخفش وغيرهما، وهو الذي اختاره أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وغيره من العلماء كما تقدم وكذلك ذكره أبو الفرج ابن الجوزي عن الفراء فقال: إنه خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى: فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما تبين له، أنا خلقنا الإنسان على ما وصفنا" (٤).

وخلاف الأئمة في (ما)، من قوله: (فما يكذبك) كما يلي (٥):


(١) المناوي: فيض القدير، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط ١ ١٣٥٦ هـ (٤/ ٤٧٣).
(٢) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ت: سامي سلامة (٨/ ٤٣٥).
(٣) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط ٢ - ١٣٨٤ هـ، (٢٠/ ١١٦).
(٤) ابن تيمية: دقائق التفسير، مؤسسة علوم القرآن - دمشق، ط ٢ - ١٤٠٤ هـ (٣/ ١٦٠).
(٥) مكي بن أبي طالب: الهداية إلى بلوغ النهاية، مجموعة بحوث الكتاب والسنة، كلية الشريعة، جامعة الشارقة، ط ١ ١٤٢٩ هـ (١٢/ ٨٣٤٧).

<<  <   >  >>