للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- مذهب بعضهم إلى أن (ما) على بابها، والمعنى: فما شيء يكذبك أيها المكذب، أي: فأي شيء يحملك على التكذيب بالجزاء والبعث بعد ظهور الآيات والبراهين.

- وذهب البعض الآخر إلى أن (ما) بمعنى (من)، والتقدير: فمن يكذبك يا محمد بالجزاء والبعث بعد هذه الحج والبراهين والآيات واستبعد السمعاني هذا القول وقال:" القول الأول هو القول المعروف، وهو أولى، لأن (ما) بمعنى (من) يبعد في اللغة " (١).

وعلى كلا القولين، فإن العجب كل العجب، من شاهد وعاين الآيات ثم عاند وكذب، فأي دليل أظهر وأوضح من دليل تدرج أحول الإنسان على قدرة الخالق العظيم على الحشر والنشر.

يقول الإمام الرازي عن بيان وجه التعجب في هذه الآية:" أن خلق الإنسان من النطفة، وتقويمه بشراً سوياً، وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي ثم تنكسيه إلى أن يبلغ أرذل العمر، دليل واضح على قدرة الخالق على الحشر والنشر، فمن شاهد هذه الحالة، ثم بقي مصرا على إنكار الحشر فلا شيء أعجب منه" (٢).

والعجب كل العجب، ممن يعرف النشأة الأولى ثم ينكر النشأة الآخرة ... وعجباً ممن ينكر البعث والنشور، وهو في كل يوم وليلة يموت ويحيا، يعني: في النوم واليقظة (٣).

وعجباً ممن يكابر في المعاد، وهو يرى في كل لحظة أمام عينيه من دلائل القدرة الإلهية ما يبهر العقول ويأخذ بالألباب.

ولما قصّ الله جل وعلا قصة الرجل الذي مر بقرية، فقال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة: ٢٥٩]، فأراه الله من دلائل القدرة الإلهية، في طعامه وشرابه وحماره عياناً، ما يكون سبباً في الإيمان واليقين فعند ذلك قال: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩)} أي أنا عالم بهذا وقد رأيته عياناً فأنا أعلم أهل زماني بذلك.


(١) السمعاني: تفسير القرآن دار الوطن - الرياض، ط ١ ١٤١٨ هـ (٦/ ٢٥٤).
(٢) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٣٢/ ٢١٣).
(٣) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٢/ ٢٧٨)

<<  <   >  >>