للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن صح قولكما فلست بخاسر ... أو صح قولي فالخسار عليكما (١)

يكفي من شدة الحسرة يوم الموقف، أن يرى الإنسان المكذب أو المتغافل ما كان ينكره ماثلاً أمام عينيه، فما مدى شعوره حينئذ، فلن يملك حينها إلا الأسى والندم، والحسرة والألم، وهل سيغني عنه البكاء، أو سيدفع عنه الرجاء، لا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٣٦)} [المائدة:٣٦].

يقول أحد مشيخة الأزهر:" جاءني أحد الشباب ينكر الآخرة، فقلت له: يحتمل أن يكون كلامك صحيحاً، ففرح الشاب وشعر أنه منتصر، فقلت له: أنا رجل آمنت بالقيامة، فابتعدت عن الزنا، وعن السرقة، فعشت نظيف السيرة، مستريح النفس، فإذا مت ولم يبعثني الله - كما تقول - فما خسرت شيئاً، وإن بعثني الله، فأنا في الجنة، فأنا في الحالتين رابح، ما خسرت شيئاً بسبب إيماني، أما أنت يا ولدي: فماذا تفعل إذا فوجئت بأن القيامة حق، وأن الله يبعث من في القبور؟ عند ذلك سكت الشاب، وقال لي: لقد احتطت لنفسك عندما آمنت بالآخرة، وخير لي أن أؤمن بالآخرة " (٢).

ولذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لبعض من قَصُرَ عقله عن فهم حقائق الأمور، وكان شاكاً: "إن صح ما قلت فقد تخلصنا جميعاً وإلا فقد تخلصت وهلكت"، فالعاقل يسلك طريق الأمن في جميع الأحوال (٣).


(١) الغزالي: إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (٤/ ٥٩)
(٢) محمود محمد غريب: تربية القرآن يا ولدي، مطبعة الشعب - بغداد، ط ١ ١٤٠٠ هـ، ص (٧٤ - ٧٥).
(٣) الغزالي: إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (٤/ ٥٩).

<<  <   >  >>