للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ومعلوم أن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة، التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه، لا يصلح أن تسكن دار السلام في جوار رب العالمين، فإذا عذبوا في النار عذاباً تخلص نفوسهم من ذلك الخبث والوسخ والدرن، كان ذلك من حكمة أحكم الحاكمين ورحمته " (١).

فأهل السنة والجماعة يؤمنون بالمقاصة بين المؤمنين على القنطرة التي بين الجنة والنار، وهو من أسباب دفع العقوبة، وتكفير السيئة (٢)، فهي قنطرة المؤمنين؛ ليكونوا قبل دخولهم الجنة، أصفياء أنقياء الظاهر والباطن، لذا لا يسقط في هذه القنطرة أحد، كما يسقطون على الصراط، وهي مقاصة بين المحبين؛ ليدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل على بعض، أو مظلمة لأحد.

وثبت في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا «(٣). يقول الإمام ابن بطال: " وهذه المقاصة التي في هذا الحديث، هي لقوم دون قوم، وهم من لا تستغرق مظالمهم جميع حسناتهم؛ لأنه لو استغرقت جميعها، لكانوا ممن وجب لهم العذاب، ولما جاز أن يقال فيهم: (خلصوا من النار)، فمعنى الحديث - والله أعلم - على الخصوص، لمن يكون عليه تبعات يسيرة " (٤).


(١) ابن القيم: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح:،ص (٣٧٩).
(٢) ابن تيمية: منهاج السنة النبوية، جامعة الإمام محمد بن سعود، ط ١ ١٤٠٦ هـ (٦/ ٢٣٨).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب قصاص المظالم ح (٢٤٤٠).
(٤) ابن بطال: شرح صحيح البخاري، مكتبة الرشد - الرياض، ط ٢ - ١٤٢٣ هـ (٦/ ٥٦٨).

<<  <   >  >>