للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلق قلوب أصحابه بالحياة الآخرة، لأنها هي الدار الباقية أما الدنيا فلا أسف على فوات بعض مصالحها، فلو كانت الدنيا بما فيها من ملاذ، تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء؛ لحقارتها وقلتها، مع أن الحكمة "في إطعامهم، وإسقائهم، وإبقائهم: أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" (١)، وهذا المقصود منه: التزهيد في الدنيا، والترغيب في العقبى (٢).

يقول العلامة المناوي:" وهذا أوضح دليل، وأعدل شاهد، على حقارة الدنيا " (٣).

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يشجع أصحابه رضي الله عنهم، بأن يكونوا من أصحاب الآخرة:

فيسمو بهممهم، ويعلو بأفئدتهم نحوها، فيقول عليه الصلاة والسلام في يوم الخندق مجيباً لأصحابه حين قالوا:

نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبداً

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة (٤)

وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (٥).

ومتى علم الإنسان أنه في الدنيا، ضيف مرتحل، وزائر منتقل، زهد فيها ورغب فيما عند الله تعالى من الفضل والكرامة.


(١) القاري: مرقاة المفاتيح، دار الفكر - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٥/ ١٧٣٣)
(٢) القاري: مرقاة المفاتيح، دار الفكر - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٨/ ٣٢٢٦)
(٣) المناوي: فيض القدير، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط ١ ١٣٥٦ هـ (٥/ ٣٢٨)
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب البيعة في الحرب ألا يفروا ح (٢٩٦١).
(٥) أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ح (٢٣٧٧).

<<  <   >  >>