للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما وقّر الإيمان في قلوب السحرة، وعلموا ما عند الله جل وعلا من الأجر والفضل، قالوا: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (٧٣)} [طه ٧٣]، أي: والله جل وعلا خير لنا منك، وأبقى وأدوم ثواباً مما كنت وعدتنا ومنيتنا (١).

والعجيب أن السحرة حين آمنوا وصدقوا وأيقنوا، تحولوا في لحظة من كفر وضلال، إلى إيمان واطمئنان وإجلال، وتحولوا من كفرة صادين عن سبيل الله تعالى، إلى وعاظ هادين إلى سبيل الرحمن، فكان من تمام وعظهم، ما قالوه لفرعون يحذرونه من نقمة الله، وعذابه الدائم السرمدي، ويرغبونه في ثوابه الأبدي المخلد، قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦)} [طه:٧٤ - ٧٦].

يقول الإمام القرطبي:" ومن قال هذا من قول السحرة قال: لعل السحرة سمعوه من موسى، أو من بني إسرائيل، إذ كان فيهم بمصر أقوام، وكان فيهم أيضاً المؤمن من آل فرعون، قلت: ويحتمل أن يكون ذلك إلهاماً من الله لهم، أنطقهم بذلك لما آمنوا" (٢).

فهذا الثبات والرسوخ، أثر من آثار الإيمان بالآخرة، إذ هو المحفز للصبر والتحدي، ومواجهة الباطل بكل عدته وقوته، ولذا قُلبت راية الكفر والظلم في الصباح، إلى راية الإيمان والعدل والتضحية في المساء.


(١) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار طيبة للنشر والتوزيع ت: سامي سلامة (٥/ ٣٠٥).
(٢) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط ٢ - ١٣٨٤ هـ، (١١/ ٢٢٧).

<<  <   >  >>