للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - أن هذا الموقف موقف رهيب عظيم، فليس "ببعيد أن يكون الناس كلهم في صعيد واحد، وموقف سواء يشرب بعضهم من الحوض ومن غيره وكذا حكم النور، والغرق يغرق في عرقه، أو يبلغ منه ما شاء الله، جزاء لسعيه في الدنيا، والآخر في ظل العرش، كما في الدنيا، يمشي المؤمن بنور إيمانه في الناس، بخلاف الكافر والمؤمن في الوقاية بخلافه، والمؤمن يروى ببرد اليقين والهداية، بخلاف المبتدع، وكذا الأعمى" (١)، ويكفي القول بأن "هذا المقام مقام هائل لا تفي بهوله العبارات، ولا تحيط به الأوهام ولا الإشارات، وأبلغ ما نطق به في ذلك الناطقون: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨)} [ص:٦٧ - ٦٨] " (٢).

أهل الإيمان واليقين في معزل عن هذا الأذى، قال الإمام ابن عبد البر:" من كان في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، نجا من هول ذلك الموقف إن شاء الله " (٣)، وما أجمل ما سطرته يراع الإمام الغزالي في هذا المشهد قائلاً: "اعلم أن كل عرق لم يخرجه التعب في سبيل الله من حج وجهاد وصيام وقيام وتردد في قضاء حاجة مسلم وتحمل مشقة في أمر بمعروف ونهي عن منكر، فسيخرجه الحياء والخوف في صعيد القيامة ويطول فيه الكرب، ولو سلم ابن آدم من الجهل والغرور، لعلم أن تعب العرق في تحمل مصاعب الطاعات أهون أمراً وأقصر زماناً من عرق الكرب والانتظار في القيامة، فإنه يوم عظيمة شدته طويلة مدته" (٤).


(١) ابن الملقن: التوضيح، دار النوادر -دمشق ط ١ ١٤٢٩ هـ (٢٣/ ٥٠٨).
(٢) القرطبي: المفهم، دار ابن كثير - دمشق، ط ٥ ١٤٣١ هـ (٧/ ١٥٧)
(٣) ابن عبد البر: التمهيد، وزارة عموم الأوقاف - المغرب، ١٣٨٧ هـ، (٢/ ٢٨٣).
(٤) الغزالي: إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (٤/ ٥١٥).

<<  <   >  >>