للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما سبب كثرة العرق: لتراكم الأهوال، ودنو الشمس من رؤوسهم وزحمة بعضهم بعضاً، وما يكون في الموقف الرهيب من شدة الضغط وتزاحم الناس، وحر الشمس وحرارة الأنفاس وحرارة النار المحدقة بأرض المحشر (١).

وأورد البعض إشكالاً مفاده: إن كان العرق كالبحر يلجم البعض فيكف يصل إلى كعب الآخر؟

وأجيب عن هذا الإشكال بأوجه منها (٢):

أ. يجوز أن يخلق الله تعالى ارتفاعاً في الأرض التي تحت قدم كل إنسان بحسب عمله، فيرتفع عن الأرض بحسب ارتفاع ما تحته.

ب. أن يحشر الناس جماعات متفرقة، فيحشر كل من يبلغ عرقه إلى كعبيه في جهة، وكل من يبلغ حقويه في جهة، وهكذا، والقدرة صالحة لأن تمسك عرق كل إنسان عليه بحسب عمله، فلا يتصل بغيره وإن كان بإزائه، كما أمسك جرية البحر لموسى عليه السلام، حيث طلب لقاء الخضر، ولنبي إسرائيل حين اتبعهم فرعون.

وجزم الشيخ على القاري بالقول الثاني فقال: "المعتمد هو القول الأخير فإن أحد الآخر كله على وفق خرق العادة، أما ترى أن شخصين في قبر واحد يعذب أحدهما وينعم الآخر، ولا يدري أحدهما عن غيره" (٣).

وفي هذا يقول الإمام ابن العربي:" كل أحد يقوم عرقه معه، وهو خلاف المعتاد في الدنيا، فإن الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتدلة، أخذهم الماء أخذاً ولا يتناوبون، وهذا من القدرة التي تخرق العادات، والإيمان بها من الواجبات " (٤).


(١) القاضي عياض: إكمال المعلم، دار الوفاء -مصر ط ٢ - ١٤٢٥ هـ (٨/ ٣٩٣)
(٢) ابن الملقن: التوضيح، دار النوادر -دمشق ط ١ ١٤٢٩ هـ (٢٣/ ٥٠٨).
(٣) القاري: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، دار الفكر - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٨/ ٣٥١٧).
(٤) ابن الملقن: التوضيح، دار النوادر -دمشق ط ١ ١٤٢٩ هـ (٢٣/ ٥٠٨).

<<  <   >  >>