أما نزعة الخلود عند المسلمين، فلا يشبعها إلا الإيمان بالآخرة؛ إذ هي امتداد لحياتهم على الأرض، غير أنها بعيدة كل البعد عن منغصات ومكدرات الحياة، فلا آلام ولا أسقام، ولا أوجاع ولا أحزان، ولا هموم ولا غموم، لا خوف من الموت ولا من المستقبل، بل حياة مليئة بكل المتع التي لم ترها عين، ولم تخطر على قلب، يزيد من طمأنينة هذه النزعة الخلودية لديهم حين ينادي المناد في الجنة:(إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن أتحيوا فلا تموتوا أبداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً)، وتكمل هذه النزعة وتستقر، حين يُؤتى بالموت الهادم للذات، المنغص للأفراح والمسرات، في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، فكم هي سعادة أهل الجنة بالخلود الدائم في النعيم، وكم هي تعاسة أهل النار وشقاؤهم بالخلود الدائم في الجحيم.
ولكن هذا هو الجزاء العدل في ذلك اليوم العظيم.
فالإيمان بالآخرة هو الذي يشبع هذه النزعة الخلودية، وهو محور السعادة المطلوبة، واللذة المبتغاة (١)، عندها تهون كل تضحية لقاء تحقيق هذا الخلود فيصبح عالم الموت المخيف الموحش، بداية لعالم رحيب، مليء بكل المتع والملذات، ولذا لا تقف أمام النفس البشرية، أية عوائق أو صعوبات، تحول دون الوصول لهذه المتع، ولو كانت ببذل الحياة رخيصة، مقابل الحصول على ذلك النعيم الموعود في جنات النعيم.
إن الشعور بالصحة الدائمة، والشباب الخالد في الآخرة، الخالي عن كل عوامل الفناء، هو المحرك المحفز للعمل الصالح.
فهل للإيمان باليوم الآخر، المشتمل على إشباع هذه النزعة الخلودية الفطرية عند الإنسان، أثر على الفرد والمجتمع؟
الجواب: نعم، بلا شك، وهذه الآثار تظهر جليا في مطالب هذا المبحث.
(١) مستفاد من مقال: لـ أ. د. علي لانما، بعنوان (ضرورة الإيمان باليوم الآخر في القرآن بمنظور رسائل النور من موقع النور على الشبكة العنكبوتية دون ذكر تاريخ: www.u - صلى الله عليه وسلم - online.com