للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال إمامهم الجهم بن صفوان بفناء الجنة والنار، وكذا أبو الهذيل العلاف إلا أنه اقتصر على القول بفناء حركات أهل الجنة والنار، بناء على قولهما: إمكان وجود ما لا يتناهى من الحوادث في الماضي والمستقبل، فمنعا ذلك مطلقا، ولذا كلاهما ينفي دوام الحدوث في المستقبل، كما نفاه في الماضي.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " والتسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين، وغيرهم من أهل الملل، وغير أهل الملل، فإن نعيم الجنة وعذاب النار دائمان، مع تجدد الحوادث فيهما، وإنما أنكر ذلك الجهم بن صفوان، فزعم أن الجنة والنار يفنيان، وأبو الهذيل العلاف زعم أن حركات أهل الجنة، والنار تنقطع، ويبقون في سكون دائم.

وذلك أنهم لما اعتقدوا أن التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي، والمستقبل قالوا هذا القول الذي ضللهم به أئمة الإسلام " (١).

وبيَّن شيخ الإسلام أصل شبهتهما فقال: " فإن هذين أوجبا أن يكون لجنس الحوادث انتهاء، كما يجوز أن يكون لها عندهم ابتداء، وأكثر الذين وافقوهم على وجوب الابتداء، خالفوهم في الانتهاء، وقالوا لها ابتداء وليس لها انتهاء " (٢).

وقد حكم الإمام ابن حزم على قولهما بأنه مخالف للقرآن فقال: " وهذا خلاف القرآن، والثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلاف إجماع أهل الإسلام المتيقن " (٣).

فهذا القول مما أنكره السلف والأئمة على الجهمية، وعدوه من كفرهم؛ لمخالفته صريح القرآن القاضي ببقاء نعيم الجنة، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (٥٤)} [ص: ٥٤]، وقال تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد:٣٥] (٤).


(١) ابن تيمية: منهاج السنة (١/ ١٤٦ - ٣١٠ - ٣٥١)، ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل (١/ ٣٠٥ - ٢/ ٣٥٨ - ٩/ ١٨٤).
(٢) ابن تيمية: مجموعة المسائل (٥/ ١٦٩)، ابن القيم: الروح ص (٣٤٨)، الأشعري: مقالات الإسلاميين ص (٣٥٥).
(٣) ابن حزم: الفِصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة الخانجي - القاهرة، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (٤/ ١٥٥).
(٤) ابن تيمية: منهاج السنة، جامعة الإمام محمد بن سعود، ط ١ - ١٤٠٦ هـ (١/ ٣١٠).

<<  <   >  >>