للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله عن حالي لتسألنه ثم تكون المسألات عنَّه

والوقف المسؤول بينهنة إما إلى نار وإما جنة

فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام، أعطه قميصي هذا، لذلك اليوم لا لشِعْرِه، والله لا أملك قميصاً غيره (١).

إن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، أفزعته امرأة فقيرة، حين قالت لعمر وهي لا تعرف أنه أمير المؤمنين عمر، قالت: (الله بيننا وبين عمر)، فقال حينها عمر: وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى أمر أمرنا، ثم يغفل عنا، هنا خاف عمر، فقال لأسلم: انطلق بنا، قال: فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً من دقيق، وكبة شحم، فقال: احمله عليّ، فقلت: أنا أحمله عنك، فقال عمر: أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أم لك، فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً، فجعل يقول لها: ذُرّي علي، وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر ثم يمرثها، فقال: أبغني شيئاً، فأتته بصحفة فأفرغها، ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم، فلم يزل حتى شبعوا، وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول: جزاك الله خيراً، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين، فيقول: قولي خيراً، إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله، ثم تنحى عنها ناحية، ثم استقبلها، فربض مربضاً، فقلت: إن لك شأناً غير هذا، فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ثم ناموا وهدؤوا، فقال عمر: يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت (٢).

فهذا شاهد من شواهد السيرة العطرة، لأولئك المؤمنين، الصادقين، المخلصين، المخبتين، الأوابين، قال الله تعالى عنهم: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١)} [المؤمنون:٦١].


(١) ابن الأثير: أسد الغابة، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ (٤/ ١٣٧)
(٢) ابن عساكر: تاريخ دمشق، دار الفكر، ١٤١٥ هـ، (٤٤/ ٣٥٤)

<<  <   >  >>