وقد أطال العلماء الكلام في فضل هذه العبادة، وأنواعها، وكيفية تحقيقها واختصر الإمام ابن الجوزي هذا المقام فقال:" التفكر ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: يتعلق بالعبد. والثاني: بالمعبود جل جلاله.
فأما ما يتعلق بالعبد: فينبغي أن يتفكر: هل هو على معصية أم لا؟
فإن رأى زلة، تداركها بالتوبة والاستغفار ثم يتفكر في نقل الأعضاء عن المعاصي إلى الطاعات، فيجعل شغل العين العبرة، وشغل اللسان الذكر وكذلك سائر الأعضاء.
ثم يتفكر في الطاعات؛ ليقوم بواجبها، ويجبر واهنها، ثم يتفكر في مبادرة الأوقات بالنوافل؛ طلباً للأرباح، ويتفكر في قصر العمر، فينتبه حذاراً أن يقول غداً: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (٥٦)} [الزمر:٥٦] ثم يتفكر في خصال باطنه، فيقمع الخصال المذمومة، كالكبر والعجب، والبخل والحسد، ويتولى الخصال المحمودة، كالصدق والإخلاص، والصبر والخوف، وفي الجملة يتفكر في زوال الدنيا فيرفضها، وفي بقاء الآخرة فيعمرها.
وأما المتعلق بالمعبود جل جلاله: فقد منع الشرع من التفكر في ذات الله عز وجل وصفاته، فلم يبق إلا النظر في الآثار التي تدل على المؤثر، وجميع الموجودات من آثار قدرته، وأعجب آثاره الآدمي، فإنك إذا تفكرت في نفسك كفى، وإذا نظرت في خلقك شفى" (١).
وخلاصة القول: أن العلاقة التي تكون بين العبد وخالقه، يجب أن يكون دافعها: استشعار الفقر، والذل والخضوع، الذي يورث التوجه التام بالقلب، والأعضاء، والجوارح إلى الخالق سبحانه وتعالى.
وهذه هي العلاقة التي نبه عليها الإسلام وحثت عليها الشريعة، لا العلاقة القائمة على الدافع المصلحي أو الاضطراري، وهذا ما تعبيه الشريعة على أصحابه.
(١) ابن الجوزي: التبصرة، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٠٦ هـ، ص (٦٦ - ٦٧)