للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" والحاصل: أنه لابد من الإيمان بالغيب في أحوال الآخرة، والآن ربما استبعد العبد شيئا من ذلك حيث لم يدركه بعقله، فحوّل يقينه إلى الظن وربما وصل الأمر به إلى جحود شيء من ذلك فيكفر، والعياذ بالله تعالى " (١).

ومن هنا قال الإمام ابن رجب: " ومما يدخل في النهي عن التعمق والبحث عنه: أمور الغيب الخبرية التي أمر بالإيمان بها، ولم يبين كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما ينهى عنه، وقد يوجب الحيرة والشك، ويرتقي إلى التكذيب " (٢).

وقال الشيخ العثيمين مقررا هذه الحقيقة في مسائل الغيب: " فالحاصل: أن هذه المسائل على الإنسان أن يُسلِّم بها، ولا يعارضها بعقل؛ لأن العقول أقصر من أن تدرك ذلك " (٣).

ويكفي في إدراك حقيقة هذه القضية، أن الإنسان لو تصور قول الله عز وجل في عقاب أهل النار - أعاذنا الله تعالى منها -: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢)} [الحج:١٩ - ٢٢]، فلو تصور " كيف تقطع النار ثيابا؟ كيف تصهر الأمعاء والأحشاء بالحميم الذي يصب من فوق الرؤوس؟ وهل يبقى فيهم بعد انصهارهم ما يضرب بمقامع الحديد؟ كيف؟


(١) ابن عزوز: العقيدة الإسلامية، دار البشاير الإسلامية - بيروت، ط ١ - ١٤٢١ هـ، ص (٣١٠).
(٢) ابن رجب: جامع العلوم والحكم، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط ٧ - ١٤٢٢ هـ (٢/ ١٧٢).
(٣) العثيمين: شرح صحيح البخاري، مكتبة الطبري - القاهرة، ط ١ - ١٤٢٩ هـ (٦/ ٤٢٣).

<<  <   >  >>