للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا يتبين أن " حقائق وطبائع الأشياء الدنيوية، مختلفة عن حقائق وطبائع الأشياء الأخروية " (١) وإن اتفقت في الأسماء. ومن كمال الشوق إلى الجنة أن القرآن الكريم حين أخبرنا عن نعيم الجنة، أخبرنا بما هو معلوم لنا كقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥)} [محمد:١٥]، وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أخبر فيه عن إدام أهل الجنة، وفيه: ... «تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ القِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ، نُزُلًا لِأَهْلِ الجَنَّةِ»، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا القَاسِمِ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «بَلَى» قَالَ: تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالَامٌ وَنُونٌ، قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ، يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا «(٢).

" فهل عسل الدنيا كعسل الآخرة؟ وهل خمر الدنيا كخمر الآخرة؟ وهل المساكن والنساء في الدنيا، كالمساكن والنساء في الآخرة؟ بينهما فرق عظيم:


(١) أحمد عبد اللطيف: شرح الرسالة التدمرية، ص (١٩٢).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الرقاق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة ح (٦٥٢٠، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب نزل أهل الجنة ح (٢٧٩٢).

<<  <   >  >>