للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- وقوله سبحانه وتعالى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)} [العصر:١ - ٢] " فأقسم بالعصر الذي هو زمان أفعال الإنسان ومحلها، على عاقبة تلك الأفعال وجزائها، ونبه بالمبدأ، وهو خلق الزمان والفاعلين، وأفعالهم على المعاد، وأن حكمته التي اقتضت خلق الزمان، وخلق الفاعلين وأفعالهم، وجعلها قسمين خيرا وشرا، تأبى أن يسوي بينهم، وان لا يجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته " (١).

- وقوله سبحانه وتعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨)} [الانشقاق:١٦ - ١٨] قسمٌ، وجوابه {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩)} [الانشقاق:١٩]، والمعنى هو تنقل الإنسان حالا بعد حال، من حين كونه نطفة، إلى مستقرة من الجنة أو النار. فكم بين هذين من الأطباق والأحوال للإنسان، وعليه: فالمقسم به وعليه من أعظم الأدلة على ربوبية الله تعالى وتوحيده، وصفات كماله، وصدقه، وصدق رسله، وعلى المعاد، ولهذا عقب ذلك بقوله: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠)} [الانشقاق:٢٠]؛ إنكارا على من لم يؤمن بعد ظهور هذه الآيات المستلزمة لمدلولها أتم استلزام (٢).

فالمتأمل في القسم الوارد في القرآن الكريم، يجد أنه ينبه العقول، ويوقظ الفطر، لأمر المعاد والآخرة، فهذا وجه من أوجه اهتمام القرآن الكريم بأخبار المعاد.

ووجه آخر في أمر القسم الذي يُؤكد به أمر المعاد، وهو أن الله تعالى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقسم على الجزاء والمعاد في ثلاث آيات، فقال تعالى:

- {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣)} ... [يونس:٥٣].

- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:٣].


(١) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، ص (٨٤).
(٢) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، ص (١١٣).

<<  <   >  >>