للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا أيضاً من الأدلة على البعث، وهي من الطرق التي يسلكها القرآن الكريم لإثبات المعاد، "يستدل على ذلك بالنشأة الأولى، وأن الإعادة أهون من الابتداء، كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} [الحج:٥]، وكما في قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)} {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} يس (٧٨)، وكما في قوله: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٩٨)} (الإسراء (٩٨)، {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (الروم (٢٧) " (١).

ولذا لما أتى الكذاب أبي بن خلف بعظم بال ففركه أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (من يحي العظام وهي رميم، أنزل الله تعالى البرهان الساطع: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)} (يس (٧٩)، فانصرف مبهوتاً ببرهان نبوته، قال الإمام ابن كثير: " وهذا أقطع للحجة، وهو استدلاله للميعاد بالبداءة، فالذي خلق الخلق بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً، قادر على إعادتهم " (٢).

وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩)} (الأعراف (٢٩)، دليل على المعاد، قال الإمام ابن القيم: " فإن الآية اقتضت حكمين: أحدهما: أنه يعيدهم كما بدأهم على عادة القرآن في الاستدلال على الميعاد بالبداءة" (٣).


(١) ابن تيمية: الصفدية (٣٢٠)، درء تعارض العقل والنقل (١/ ٣٢)، مجموع الفتاوى (١٧/ ٢٥١).
(٢) ابن كثير: البداية والنهاية ت: علي شيري (٦/ ٣٠٤).
(٣) أحكام أهل الذمة، (٢/ ١٠٣١)، ابن القيم: أعلام الموقعين (١/ ١١٣)، جلاء الأفهام ص (١٧٥).

<<  <   >  >>