للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نشير إلى أن نصوص الوحيين [الكتاب والسنة]، جاءت متضافرة متوافرة في ذكر اليوم الآخر، وما يحويه من أحداث ومشاهد، فقد برزت أوجه العناية بأخبار المعاد في نصوص الوحيين، ماثلة أمام الجميع، فقد عنيت" بمشاهد القيامة، البعث والحساب، والنعيم والعذاب، فلم يعد ذلك العالم الآخر الذي وعده الناس بعد هذا العالم الحاضر موصوفاً فحسب، بل عاد مصوراً محسوساً، وحيّاً متحركاً، وبارزاً شاخصاً، وعاش المسلمون مع هذا العالم الآخر، عيشة كاملة في شعورهم ووجدانهم، رأوا مشاهده، وتأثروا بها، وخفقت قلوبهم تارة، واقشعرت جلودهم تارة، وسرى في نفوسهم الفزع مرة، وعاودهم الاطمئنان أخرى، ولفحهم من النار شواظ، ورف إليهم من الجنة نسيم، ومن ثم باتوا يعرفون هذا العالم تمام المعرفة، قبل اليوم الموعود " (١).

ومن خلال هذه المباحث نلحظ تظافر هذه الدلائل والشواهد النقلية والعقلية لإثبات المعاد واليوم الآخر.

ولذا لا نجد شيئاً أكثر مناكفة وأشد عداء للمنطق والعقل الإنساني من أن نسلم بوقوع حادث في الحال، وننكره في المستقبل، كما يقوله بعض المفكرين إذ وجود الإنسان حياً أولاً، ثم وجوده كذلك ثانياً بعد موته، وجودان متماثلان، دون فرق بينهما إلا في التقدم والتأخر، والأول منها ممكن حتماً ولذلك وجد، إذ لو كان مستحيلاً لما وجد، وإذا كان أحد المتماثلين ممكناً كان الوجود الآخر ممكناً أيضاً، بحكم تماثلهما.

والعلم الحديث يثبت حقيقة علمية، تؤيد هذه الدلائل والشواهد، وتلقم حجراً كل منكر للمعاد، لا يؤمن إلا بالتجريبيات، فإنه قد أصبح من الثابت علمياً اليوم أن الموت لا يأتي على كل خلايا الجسد، وإنما يصيب معظمها ويظل بعض منها يحمل الحياة في أعماقه، وإن بدا لنا أنه مات.


(١) يسر مبيض: اليوم الآخر في الأديان السماوية، دار الثقافة - الدوحة، ط ١ ١٤١٢ هـ، ص (٨٠).

<<  <   >  >>