للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال المتكلمون في معرض ردهم على الفلاسفة: ولكن نعلم باضطرار إجماع الأنبياء من أولهم إلى آخرهم على إثبات العاد البدني، وهذا الذي قالوه صحيح وحجة صحيحة على إثبات المعاد البدني، كما قال شيخ الإسلام، إلا أنهم قصروا في عدم الاحتجاج على ذلك بالقرآن وبالأخبار وبإجماع السلف (١).

فحق بعد هذا أن يقال: إن إنكار المعاد عجب من الإنسان، إذ هو محض إنكار الرب والكفر به، والجحد لإلهيته وقدرته، وحكمته وعدله وسلطانه (٢).

قال الإمام الرازي مبينا أن من مساوئ القول بإنكار الحشر والنشر، الشك في حكمة الله تعالى: " ولما بيّن الله تعالى على سبيل الإجمال، أن إنكار الحشر والنشر يوجب الشك في حكمة الله تعالى، بين ذلك على سبيل التفصيل فقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)} [ص:٢٨]، وتقديره: أنا نرى في الدنيا من أطاع الله واحترز عن معصيته في الفقر والزمانة وأنواع البلاء، ونرى الكفرة والفساق في الراحة والغبطة، فلو لم يكن حشرة ونشر ونعاد، فحينئذ يكون حال المطيع أدون من حال العاصي، وذلك لا يليق بحكمة الحكيم الرحيم، وإذا كان ذلك قادحاً في الحكمة، ثبت أن إنكار الحشر والنشر يوجب إنكار حكمة الله " (٣).

فثبوت المعاد معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، ولا يمكن دفع العلوم الضرورية، فلو لم يكن المعاد حقا لزم:

- إما جحد كون الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أخبر به.

- وإما جحد صدقه فيما أخبر، وكلاهما ممتنع، وإلا فمن علم أن الرسول أخبر به، وعلم أنه لا يخبر إلا بحق، علم بالضرورة أن المعاد حق (٤).


(١) ابن تيمية: بيان تلبيس الجهمية، المجمع لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (٢/ ٧٣).
(٢) ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ٣ ١٤١٦ هـ (١/ ١٤٦)
(٣) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٢٦/ ٣٨٨).
(٤) انظر: ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل، جامعة الإمام محمد بن سعود - السعودية، ط ٢ - ١٤١١ هـ (٥/ ٣٠١).

<<  <   >  >>