للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد زعم الفلاسفة أن عندهم علماً يستغنون به عما جاء به الأنبياء والدهريون كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم، ولما سمع سقراط بموسى - عليه السلام- قيل له: لو هاجرت إليه فقال: نحن قوم مهذبون، فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا.

ويروي أن جالينوس قال لعيسى عليه الصلاة والسلام: بعثت لغيرنا (١) ... ولذا قال بعض أهل العلم: إن قوله جل وعلا: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣)} [غافر:٨٣] يتناول الفلاسفة، وذلك أنه لما جاءت الرسل بعلوم الديانات ومعرفة الله تعالى، ومعرفة المعاد، وتطهير النفس من الرذائل، لم يلتفتوا إليها واستهزؤوا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفائدة من علمهم ففرحوا به (٢).

"إن الفلاسفة لما لم يغترفوا من بحار الأنبياء، وقفت بهم أفراس أفكارهم في عالم الشهادة، فلما حاولوا الخوض في الإلهيات، انكشفت عورة جهلهم وافتضحوا باضطرابهم واختلافهم {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر ١٤] (٣).

ولذا فإن مسلك الفلاسفة في الإلهيات مشوب بالشكوك والشبهات والأوهام، فالحكمة الحقيقية في الكتاب والسنة لا في علوم الفلاسفة، إذ إن " أكثر علوم الفلاسفة التي لو بلغ الإنسان غايتها، لم يكمل بذلك، ولم يزك نفسه "؛ لأن الفلاسفة يأخذون من كل دين -بزعمهم- محاسن ما دلت عليه العقول (٤).


(١) أبو حيان: البحر المحيط، ص (٦/ ٤٢٥)، ابن عادل: اللباب في علوم الكتاب ـ (١٧/ ٩٣).
(٢) ابن تيمية: الصفدية (٢/ ٢٤٧)، ابن عادل: اللباب في علوم الكتاب، (١٧/ ٩٤).
(٣) البقاعي: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (٩/ ٣٥١)
(٤) ابن القيم: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (٢/ ٢٥١)، الفوائد (١٩٨)

<<  <   >  >>