للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخذا البعض من هذا النص عن ابن سينا أنه رجع عن قوله بإنكار المعاد الجسماني، واختلفت الأنظار في توجيه قوله السابق، والنظر بالنسبة لمصداقية ابن سينا في هذه المقالة، فذهب البعض إلى أن الباعث له على هذا الأمر هو الرجوع للحق وقبوله إياه، في حين ذهب آخرون إلى الباعث له هو التقية من متكلمي المسلمين في ذلك الزمان، لأنهم يعتبرون أن مسألة المعاد الجسماني من ضروريات الدين الإسلامي، ومن أنكرها كفر (١).

وهذا الاضطراب الذي جرى في كلام ابن سينا في البعث الجسماني، جعل البعض يناقش الإمام الغزالي في تكفيره لابن سينا، ولم يسلّم له بذلك، ولذا قال أبو الوليد ابن رشد مجيباً له تكفير الغزالي للفلاسفة كابن سينا والفارابي:" الظاهر من قوله في ذلك، أنه ليس تكفيره إياها في ذلك قطعاً، إذ قد صرح في كتاب التفرقة، أن التكفير بخرف الإجماع فيه احتمال" (٢).

والذي عليه أئمة الإسلام في هذه المسألة، في حيال هذه الأقوال الشاذة الخارجة عن الإسلام، مما يتفوه به الفلاسفة المنكرون لمعاد الأبدان، من أن النعيم والعذاب لا يكون إلا على الروح، وأن البدن لا ينعم ولا تعذب، أن هؤلاء كفار بإجماع المسلمين (٣).

وقد ذكر المؤرخون ما يتعلق بتوبة ابن سينا عموماً، ورجوعه للشرائع واعتقادها، فنقل جماعة منهم خبر توبته وإنابته، في حين تردد فيها جماعة آخرون.

فقال تقي الدين الغزي:" والناس في اعتقاده فرقتان له وعليه، والظاهر أنه تاب قبل موته، والله أعلم بحاله" (٤)،في حين ألمح الإمام ابن كثير إلى ضعف خبر توبته فقال:" ويقال إنه تاب عند الموت، فالله أعلم" (٥).


(١) شاكر الساعدي: المعاد الجسماني ص (١٨٦) غالب عواجي: الحياة الآخرة (١/ ١١٥).
(٢) عبد الرحمن بدوي: الفلسفة، ص (١٢٩)، ابن رشد: فصل المقال، دار المعارف، ط ٢ - ، ص (٣٧).
(٣) ابن القيم: الروح ص (٥١)، الكفوي: الكليات (١٤٦)
(٤) تقي الدين الغزي: الطبقات السنية في تراجم الحنفية (١/ ٢٥٣).
(٥) ابن كثير: البداية والنهاية، دار إحياء التراث العربي، ط ١ ١٤٠٨ هـ، ت: علي شيري، (١٢/ ٥٤).

<<  <   >  >>