للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد نبه العلماء في هذا الموضع وأمثاله الذي تذكر فيه الآيات المثبتة للسؤال والمحاسبة ما قد يشكل من ورود جملة أخرى من الآيات الكريمة التي تنفي السؤال والحساب من مثل قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (٣٩)} [الرحمن:٣٩]، {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)} [القصص:٧٨].

وظاهر هذه الآيات يوهم التعارض مع ما سبق من الآيات الأخرى المثبتة للحساب، وقد أجاب العلماء عن هذا التعارض الظاهر ودُفع بما يلي:

أ. أن المسألة التي نفاها الله تعالى عن نفسه بقوله: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)} [القصص:٧٨]، ونحوها، فهي محمولة على المسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات، فيما لا يعلمه السائل عنها، ويعلمه المسؤول ليعلم السائل علم ذلك من قِبَلِ من سأل منه، وهذا غير جائز أن يوصف الله تعالى به؛ لأنه العالم بالأشياء قبل كونها، وحال كونها، وبعد كونها، فهو العالم بذلك كله وبكل شيء غيره (١).

ب. أن المنفي في السؤال هو سؤال الاستعلام، والمثبت هو سؤال التقريع والتوبيخ، فلا يقال لهم: هل فعلتم؟ بل يقال لهم: لم فعلتم؟ (٢).

ج. أن القيامة مواطن؛ لطول ذلك اليوم، فيسأل في بعض، ولا يسأل في بعض، وعليه فتحمل الآيات الكريمات على تعدد المواقف في القيامة فيسألون في مواقف دون مواقف (٣).

د. وقيل: نفي السؤال عن المجرمين محمول على أنهم لا يسألون سؤال من له عذر في الجواب، وإنما يسألون على معنى إظهار قبائحهم؛ ليفتضحوا على رؤوس الجمع (٤).


(١) الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط ١ ١٤٢٠ هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (١٢/ ٣٠٨)
(٢) السمعاني: تفسير القرآن: (٥/ ٣٣٢)، البغوي: معالم التنزيل: (٤/ ٣٣٨)
(٣) القرطبي: الجامع الأحكام القرآن:، (١٧/ ١٧٤)، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (٧/ ٤٤٩)
(٤) السمعاني: تفسير القرآن، دار الوطن - الرياض، ط ١ ١٤١٨ هـ (٤/ ١٥٧)

<<  <   >  >>