للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنا لا بد من تصحيح مفهوم الزهد في الدنيا، فليس المراد منه: الانقطاع التام عن الدنيا وملاذها، فهذا مخالف لحقيقة الشريعة المطهرة، فكيف يكون الزهد بالانقطاع عن الدنيا، والله جل وعلا أمر بعمارة الأرض حيث جعلها لنا، وكيف يكون الزهد بالانقطاع عن الدنيا، والله جل وعلا أمر بالسعي في مناكبها لكسب الرزق، فالشريعة تكاملية تعطي كل ذي حق حقه، مشفوعة بقوله جل في علاه: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧].

أما المراد بالزهد عند السلف: فهو ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما: "الزهد أن لا يسكن قلبك إلى موجود في الدنيا، ولا يرغب في مفقود منها" (١)، وهذا سفيان الثوري يعطينا حقيقة الزاهد في الدنيا فيقول:" من زهد في الدنيا ملكها، ومن رغب فيها عبدها، فمن شاء فيعش فيها ملكاً، ومن شاء فليعش فيها عبداً " (٢).

وقد ذكر أبو سعيد ابن الأعرابي، مقالات الأئمة في الزهد، ونقل ما يربوا عن ست وأربعين مقالة، كلها تبين حقيقة الزهد والزاهد (٣). وخلاصة القول: ما ذكره الإمام ابن تيمية في حقيقة الزهد المشروع: بأنه ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة، وثقة القلب بما عند الله تعالى (٤).

وفسرها: بفضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله تعالى (٥)، أما كل ما يستعين به العبد على طاعة الله تعالى، فليس تركه من الزهد المشروع (٦).


(١) البيهقي: الزهد الكبير، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، ط ٣ ١٩٩٦ م، ص (٦٢).
(٢) الخطيب البغدادي: الزهد والرقائق، دار البشائر - بيروت، ط ١ ١٤٢٠ هـ، ص (١٣٤).
(٣) ابن الأعرابي: الزهد وصفة الزاهدين، دار الصحابة - طنطا، ط ١ ١٤٠٨ هـ، ص (٢ - ٣٧).
(٤) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (١٠/ ٦٤١).
(٥) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (١/ ٢١).
(٦) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (١١/ ٢٨).

<<  <   >  >>