للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المؤمنون الذين عمروا أوقاتهم بالطاعة، فإنهم لا يخافون الموت لعلمهم أنه السبيل الموصل إلى السعادة الكبرى، حتى قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "والله ما أبالي، أقع على الموت، أو يقع الموت عليّ" (١).وأثر عنه من قوله رضي الله عنه، إذا أراد المبارزة في الحرب:

أي يوميّ من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قدر

يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر (٢)

وقيل لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أي ابني الزبير كان أشجع؟ فقال: ما منهما إلا شجاع كلاهما مشى إلى الموت وهو يراه (٣).

يقول الإمام الأصبهاني:" وكانوا يتوقعونه ويرون أنهم في حبس فينتظرون المبشر بإطلاقهم، وعلى هذا روي: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» (٤) وقيل: أنه لما مات داود الطائي سُمع هاتف يقول: اطلق داود من السجن" (٥).

والخلاصة: أن الإيمان باليوم الآخر، له أثر مباشر على النفس البشرية، فهو من أعظم أسباب تزكية النفس، والارتقاء بها، والنجاة من سلطان الوساوس والأوهام، وتسلط الشياطين.

وبه يحتفظ المرء بتوازنه في الحياة، فيعطي كل ذي حق حقه، مع ما ينميه في الضمير الإنساني، من الرقابة العامة، ويحيي فيه باستمرار الخوف والرجاء وهو أساس حركة النفس اللوامة، التي تلوم صاحبها لوقوعه في المحارم فتلومه على الخير والشر، وتندم على ما فات.


(١) الأصبهاني: تفصيل النشائين، مكتبة الحياة - بيروت، ١٩٨٣ م، ص (١١٧).
(٢) ابن عبد ربه: العقد الفريد، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٠٤ هـ، (٦/ ١٤٢)
(٣) ابن سعد: الطبقات الكبرى، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤١٠ هـ، (٢/ ٩١).
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق ح (٢٩٥٦).
(٥) الأصبهاني: تفصيل النشائين، مكتبة الحياة - بيروت، ١٩٨٣ م، ص (١١٧).

<<  <   >  >>