للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الجاحظ: "فإن الله تبارك وتعالى، لم يخلق مذاقاً أحلى من العدل , ولا أروح على القلوب من الإنصاف، ولا أمرَّ من الظلم، ولا أبشع من الجور" (١).

وقال حاكياً: "إن البغي يصرع أهله، وإن الظلم مرتعه وخيم، فلا تغتر بإبطاء العقاب، من ناصرٍ من شاء أن يغيث أغاث، وقد أملى لقوم كي يزدادوا إثماً " (٢)، والظلم من أقبح ما يحمله الرجل معه إلى معاده، وقد كتب الفضل بن يحي إلى عامل له: "بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد" (٣).

وقد جرت السنن الإلهية، ببقاء دول العدل ولو كانت كافرة، وزوال دول الظلم ولو كانت مسلمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل، الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة، وإن كان مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام " (٤). ولذا فإن الناس لم يتنازعوا، في أن عاقبة الظلم وخيمة، وأن عاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: (الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة)؛ لأن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان، ما يُجزى به في الآخرة (٥).


(١) الجاحظ: الرسائل الأدبية، مكتبة الهلال - بيروت، ط ٢ - ١٤٢٣ هـ، ص (١٠٣).
(٢) الجاحظ: الرسائل، مكتبة الهلال - بيروت، ط ٢ - ١٤٢٣ هـ، ص (٢٤٥).
(٣) محمد حمدون: التذكرة الحمدونية، دار صادر - بيروت، ط ١ - ١٤١٧ هـ، (٣/ ١٧٧).
(٤) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (٢٨/ ١٤٦)
(٥) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (٢٨/ ٦٣ - ١٤٦ بتصرف يسير)

<<  <   >  >>