للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وإن مات قبل رد المظالم، أحاط به خصماؤه، فهذا يأخذ بيده، وهذا يقبض على ناصيته، وهذا يتعلق بلببه، هذا يقول: ظلمني، وهذا يقول: شتمتني وهذا يقول: استهزأت بي، وهذا يقول: ذكرتني في الغيبة بما يسوؤني، وهذا يقول: جاورتني فأسأت جواري، وهذا يقول: عاملتني فغششتني، وهذا يقول: بعتني فغبنتني، وأخفيت عني عيب سلعتك، وهذا يقول: كذبت في سعر متاعك، وهذا يقول: رأيتني محتاجاً، وكنت غنياً فما أطعمتني، وهذا يقول: وجدتني مظلوماً، وكنت قادراً على دفع الظلم عني فداهنت الظالم وما راعيتني، فبينا أنت كذلك، وقد أنشب الخصماء فيك مخالبهم، وأحكموا في تلابيبك أيديهم، وأنت مبهوت متحير من كثرتهم وقد ضعفت عن مقاومتهم، ومددت عنق الرجاء إلى سيدك ومولاك؛ لعله يخلصك من أيديهم، إذ قرع سمعك نداء الجبار جل جلاله: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٧)} [غافر:١٧] " (١).

فقه هذا الأمر عمر بن عبد العزيز فرد المظالم، يقول محمد بن قيس: "رأيت عمر بن عبد العزيز إذا صلى العشاء، دعا بشمعة من مال الله؛ ليكتب في أمر المسلمين والمظالم، فترد في كل أرض، فإذا أصبح جلس في رد المظالم، وأمر بالصدقات أن تقسم في أهلها، فلقد رأيت من يُتصدق عليه في العام القابل له إبل فيها صدقة" (٢)، هذه صورة العدل ونتيجته.


(١) الغزالي: إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (٤/ ٥٢١).
(٢) ابن سعد: الطبقات الكبرى، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤١٠ هـ (٥/ ٢٦٨).

<<  <   >  >>