للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك بواعث أخرى تدعوا إلى أداء الحقوق، إلا أن الداعي الأكبر، هو داعي الخوف من الحساب والجزاء, والبواعث الأخرى لأداء الحقوق، لها تعلق بصفاء النفس ونقائها، بما جُبلت عليه من الكرم، والنخوة، والقيام مع الآخرين، فكل "ما يبعث على أداء الحقوق، فأجدر به حمداً , وما صدّ عنها، فأخلق به ذماً" (١)

قال أبو النجيب السهروردي في أماليه لنفسه:

أداء الحقوق دليل الكرم ... وفي ذلك مرضاة مولى الأمم

ومن قام لله في خلقه ... بحسن الرعاية حاز النعم (٢)

إن داعي الإيمان في القلوب، ورجاء فضل ما عند علام الغيوب , هو الدافع للقيام بحقوق الناس. وحقوقهم كثيرة , يصعب وصفها , ويطول رصفها في هذا المقام , إلا أن المقصود الأعظم هو الالتزام بهذه الحقوق والوصف الأكرم قوله جل وعلا: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء:٣٩] , أي: "هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الجميلة، ونهيناك عنه من الصفات الرذيلة، مما أوحينا إليك يا محمد لتأمر به الناس " (٣)؛ "لأنها اشتملت على محاسن الأخلاق والحكمة , وقوانين المعاني المحكمة، والأفعال الفاضلة " (٤).

إن الآيات التي نزل بها جبريل - عليه السلام - إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من سورة الإسراء من قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} ... إلى قوله ... {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨)} [الإسراء] , اشتملت على جملة من الأداب، والقصص، والأحكام , يرجع حاصلها "إلى الأمر بالتوحيد وأنواع البر والطاعات , والإعراض عن الدنيا , والإقبال على الآخرة" (٥).


(١) الماوردي: أدب الدنيا والدين، دار مكتبة الحياة، ١٩٨٦ م، ص (٩١).
(٢) ابن المستوفى: تاريخ إربل، دار الرشيد - العراق، ١٩٨٠ م، (٢/ ١٤٤).
(٣) ابن كثير: تفسير القران العظيم، دار طيبة للنشر والتوزيع، ت: سامي سلامة (٥/ ٧٧).
(٤) القرطبي: الجامع الأمثال للقرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط ٢ - ١٣٨٤ هـ، (١٠/ ٢٦٤).
(٥) الخازن: لباب التأويل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤١٥ هـ (٣/ ١٣١).

<<  <   >  >>