للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن سجلت عليه مخالفات لمن هو أوثق منه عن شيخ معين تأثرت به روايته عنه، فيتوقف في قبول ما تفرد به عنه. وأشار الإمام مسلم إلى هذا الضابط في مقدمة صحيحه حيث قال: "وحكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث، أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قُبلت زيادتُه" (١).

ثم حديثه هذا مخالف لما رواه أبو سلمة وأبو الزبير عن جابر، وهذا ما أشار إليه البخاري من أنه يروى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا، وقد صرح به ابن عبد البر (٢).


(١) صحيح مسلم ١/ ٧.
(٢) التمهيد ٧/ ٤٨. قال: وليس عبد الملك هذا مما يعارض به أبو سلمة وأبو الزبير وفيما ذكرنا من روايتهما عن جابر ما يدفع رواية عبد الملك هذه.
وقد أوضح بعض الأئمة عدم التعارض بين حديث عبد الملك وما رواه غيره عن جابر. قال ابن القيم: والذين ردّوا حديثه ظنوا أنه معارض لحديث جابر الذي رواه أبو سلمة عنه: "الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"، وفي الحقيقة لا تعارض بينهما، فإن منطوق حديث أبي سلمة انتفاء الشفعة عند تميز الحدود وتصريف الطرق واختصاص كل ذي ملك بطريق، ومنطوق حديث عبد الملك إثبات الشّفعة بالجوار عند الاشتراك في الطريق، ومفهومه انتفاء الشفعة عند تصريف الطرق، فمفهومه موافق لمنطوق حديث أبي سلمة وأبي الزبير غير معارض له، وهذا بين وهو أعدل الأقوال في المسألة تهذيب السنن ٩/ ٣٠٩.
وكذلك قال ابن عبد الهادي، وزاد: وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح في عبد الملك، فإن عبد الملك ثقة مأمون، وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، وإنما كان إماماً في الحفظ، وطعن من طعن فيه إنما هو اتباعاً لشعبة تنقيح التحقيق ٣/ ٥٨.
وهذا الكلام يستقيم لو كان ردهما لمجرد المخالفة، أما وأن ردهما ـ وبخاصة الإمام أحمد ـ من أجل تفرد عبد الملك بن أبي سليمان، ولا يحتمل منه مثل هذا التفرد عن عطاء، ثم عن جابر لتأخر منزلته في الحفظ من بين أصحاب عطاء، فإعلال الأئمة لحديثه قائم، والعلم عند الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>