للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به على نهج الاستطراد في أثناء وصية لقمان تأكيدًا لما فيه من النهي عن الإشراك، فهو من كلام الله تعالى لم يقله سبحانه للقمان» (١).

وهذه الآية مما كثر الإشكال فيه حتى وقع فيها خلاف واسع عند جمع من أئمة التفسير رحمهم الله جميعًا وهل هي من كلام الله تعالى، أم هي من وصايا لقمان لولده؟

القول الراجح في قوله سبحانه: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان: ١٤]

وبعد التطواف والتأمل والنظر في قرابة عشرين مؤلفًا في التفسير تبين للباحث أن الأقرب أنها من كلام الله تبارك وتعالى، فقد وردت معترضة بين وصايا لقمان لابنه، وعليه الأكثرون، فمن تأمل الوصية بالوالدين هنا يتحقق لديه ويتبين له أنها جاءت معترضة بين ثنايا وصايا ومواعظ لقمان لابنه؛ فقد توسطت النداء بقوله: {يَا بُنَيَّ} جاء قبلها قوله: {يَا بُنَيَّ لا تشرك بالله} [لقمان: ١٣] وجاء بعدها قوله: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [لقمان: ١٦]، إلى آخر الآيات - والتي هي من كلام لقمان عليه السلام.

ومما رجح ذلك لدى الباحث أيضًا آية العنكبوت {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: ٨].

فهي وآيتا لقمان نزلتا في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد سبق معنا في طيات البحث تعدد النازل والسبب واحد، وقد سبق معنا آنفًا قول كل من: ابن عطية الأندلسي، والزَّمَخْشَرِيُّ المعتزلي، وأبي السعود، والشوكاني، والألوسي.

والختام بقول القرطبي حيث يقول: «وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي شَأْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، كَمَا تَقَدَّمَ فِي (الْعَنْكَبُوتِ)، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ» (٢). اهـ. والله أعلم.

وفي بيان المعنى العام لتلك الوصية يقول ابن سعدي: «وَلَمَّا أَمَرَ بِالْقِيَامِ بِحَقِّهِ، بِتَرْكِ الشِّرْكِ


(١) الألوسي (٢١/ ٨٦).
(٢) القرطبي (١٤/ ٦٠).

<<  <   >  >>