للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الَّذِي مِنْ لَوَازِمِهِ الْقِيَامُ بِالتَّوْحِيدِ، أَمَرَ بِالْقِيَامِ بِحَقِّ الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} [العنكبوت: ٨] أَيْ: عَهِدْنَا إِلَيْهِ، وَجَعَلْنَاهُ وَصِيَّةً عِنْدَهُ، سَنَسْأَلُهُ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا، وَهَلْ حَفِظَهَا أَمْ لَا؟ فَوَصَّيْنَاهُ بِوَالِدَيْهِ وَقُلْنَا لَهُ: {اشْكُرْ لِي} [لقمان: ١٤] بِالْقِيَامِ بِعُبُودِيَّتِي، وَأَدَاءِ حُقُوقِي، وَأَنْ لَا تَسْتَعِينَ بِنِعَمِي عَلَى مَعْصِيَتِي، {وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤] بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ، وَالْكَلَامِ اللَّطِيفِ، وَالْفِعْلِ الْجَمِيلِ، وَالتَّوَاضُعِ لَهُمَا، وَإِكْرَامِهِمَا وَإِجْلَالِهِمَا، وَالْقِيَامِ بِمَؤُونَتِهِمَا وَاجْتِنَابِ الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَوَصَّيْنَاهُ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَأَخْبَرْنَاهُ أَنْ {إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)} [لقمان: ١٤] أَيْ: سَتَرْجِعُ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِلَى مَنْ وَصَّاكَ، وَكَلَّفَكَ بِهَذِهِ الْحُقُوقِ، فَيَسْأَلُكَ هَلْ قُمْتَ بِهَا؟ فَيُثِيبُكَ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، أَمْ ضَيَّعْتَهَا؟ فَيُعَاقِبُكَ الْعِقَابَ الْوَبِيلَ» (١).

فالله تبارك وتعالى يوصي الإنسان بوالديه عمومًا، ترغيبًا له في برّهما والإحسان إليهما، كما قال الماوردي:» {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان: ١٤] يعني: برًّا وتحننًا عليهما» (٢).

ويبين له حال أمِّه خصوصًا وقت حملها له، وأنها حملته وهي تعاني من الشدة والضعف والجهد وآلام الحمل وقت تكوينه من نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم تكوينه تام الخلقة كامل البنيان.

ويوضح الرازي معنى الوهن فيقول: «يَعْنِي: ضَعْفَ الْحَمْلِ، وَضَعْفَ الطَّلْقِ، وَضَعْفَ النِّفَاسِ، وَقِيلَ: {وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: ١٤]، نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً، إِلَى آخِرِ النَّشْأَةِ» (٣).

وهذا ما يؤكده القرطبي فيقول: «{وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: ١٤] أَيْ: حَمَلَتْهُ فِي بَطْنِهَا وَهِيَ تَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ، وَقِيلَ: الْمَرْأَةُ ضَعِيفَةُ الْخِلْقَةِ ثُمَّ يُضْعِفُهَا الْحَمْلُ» (٤).


(١) ابن سعدي (٦/ ١٣٥٠).
(٢) الماوردي (٤/ ٣٣٤).
(٣) الرازي (٧/ ١٨٧).
(٤) القرطبي (١٤/ ٦٠).

<<  <   >  >>