للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويوضح الإمام الطبري معنى الوهن هنا فيقول: ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ، وَشِدَّةً عَلَى شِدَّةٍ.

ويقول ابْنِ عَبَّاسٍ: شِدَّةً بَعْدَ شِدَّةٍ، وَخَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ.

ويقول الضَّحَّاكُ: {وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: ١٤]: يَقُولُ: ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ.

وَكذلك قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ (١).

ويقول قَتَادَةُ: «{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: ١٤] أَيْ: جَهْدًا عَلَى جَهْدٍ».

ويقول مُجَاهِدٌ: «{وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: ١٤] قَالَ: وَهْنُ الْوَلَدِ عَلَى وَهْنِ الْوَالِدَةِ وَضَعْفِهَا» (٢).

كل ذلك وهو يتغذى من دمها وتذهب بذلك قوتها مع ما تعانيه من الحمل والوحم وآلام الطلق والوضع والنفاس وغير ذلك، ليكون هذا البيان دافعًا لبرها والإحسان إليها من كل الوجوه جزاء ما عانت وتحملت في حملها ووضعها وإرضاعها وفطامها وسهرها وتعبها وخدمتها آناء الليل وأطراف النهار.

يقول ابن سعدي: «ثُمَّ ذَكَرَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ فِي الْأُمِّ، فَقَالَ: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: ١٤] أَيْ: مَشَقَّةً عَلَى مَشَقَّةٍ، فَلَا تَزَالُ تُلَاقِي الْمَشَاقَّ، مِنْ حِينِ يَكُونُ نُطْفَةً، مِنَ الْوَحَمِ، وَالْمَرَضِ، وَالضَّعْفِ، وَالثِّقَلِ، وَتَغَيُّرِ الْحَالِ، ثُمَّ وَجَعِ الْوِلَادَةِ، ذَلِكَ الْوَجَعِ الشَّدِيدِ، ثُمَّ «فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ» وَهُوَ مُلَازِمٌ لِحَضَانَةِ أُمِّهِ وَكَفَالَتِهَا وَرِضَاعِهَا، أَفَمَا يَحْسُنُ بِمَنْ تَحَمَّلَ عَلَى وَلَدِهِ هَذِهِ الشَّدَائِدَ، مَعَ شِدَّةِ الْحُبِّ، أَنْ يُؤَكِّدَ عَلَى وَلَدِهِ، وَيُوصِيَ إِلَيْهِ بِتَمَامِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ؟!» (٣).

يقول ابن كثير: «وَإِنَّمَا يَذْكُرُ تَعَالَى تَرْبِيَةَ الْوَالِدَةِ وَتَعَبَهَا وَمَشَقَّتَهَا فِي سَهَرِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، لِيُذَكِّرَ الْوَلَدَ بِإِحْسَانِهَا الْمُتَقَدِّمِ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)}


(١) ينظر: ابن كثير (٦/ ٣٣٧).
(٢) الطبري (٢٠/ ١٣٧ - ١٣٨).
(٣) ابن سعدي (٦/ ١٣٥٠).

<<  <   >  >>