للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩] عن الضحاك: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} قال: إن أقبح الأصوات {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.

عن قتادة قال: «{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩] أي: أقبح الأصوات لصوت الحمير، أوله زفير، وآخره شهيق، أمره بالاقتصاد في صوته» (١).

- قال ابن كثير: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩].

قالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ، أَيْ: غَايَةُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ أَنَّهُ يُشَبَّهُ بِالْحَمِيرِ فِي عُلُوِّهِ وَرَفْعِهِ، وَمَعَ هَذَا هُوَ بَغِيضٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَهَذَا التَّشْبِيهُ فِي هَذَا بِالْحَمِيرِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَذَمَّهُ غَايَةَ الذَّمِّ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» (٢).

وَقَالَ النَّسَائِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: «حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-[أَنَّهُ] قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا» (٣).

قال القرطبي: «وهذه الآية أدب من الله -تعالى- بترك الصياح في وجوه الناس تهاونًا بهم، أو بترك الصياح جملة، وكانت العرب تفخر بجهارة الصوت الجهير وغير ذلك، فمن كان منهم أشد صوتًا كان أعزّ، ومن كان أخفض كان أذل. فنهى الله تعالى عن هذه الخلق الجاهلية بقوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩]» (٤).


(١) الطبري (٢٠: ١٤٧).
(٢) البخاري (٢٦٢٢) كتاب الهبة، وينظر: ابن كثير (٦/ ٣٤٠).
(٣) وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ سِوَى ابْنِ مَاجَهْ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهِ، وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: «بِاللَّيْلِ»، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. ابن كثير (٦/ ٣٤٠).
وهو في الصحيحين، البخاري (٣٣٠٣)، ومسلم (٢٧٢٩) من رواية أبي هريرة ا.
(٤) القرطبي (١٤/ ٦٧) بتصرف.

<<  <   >  >>