للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول القرطبي آنفًا مبني على اعتماده واستدلاله على أن قوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩] من كلام الله تعالى ابتداءً وليس من قول لقمان، وهذا محل نظر وتأمل، لأن كلام لقمان متصل، ويؤيد ذلك قول كل من الشوكاني وابن عاشور إن قوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩] تعليل علل به الأمر بالغض من صوته، فالأمر بغض الصوت من كلام لقمان، وتعليله بالأمر بالغض بقوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} من كلام لقمان أيضًا، ويؤيد ذلك أيضًا ما ذهب إليه أبو حيان بقوله: «والظاهر أن قوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} من كلام لقمان لابنه، تنفيرًا له عن رفع الصوت، ومماثلة الحمير في ذلك» (١). وكذلك هو قول الألوسي (٢). وكذلك هو قول القاسمي، كما سيأتي (٣).

يقول الباحث: ولم يرد استنباط واضح يبين ويدلل على ما ذهب إليه القرطبي وغيره من أئمة التفسير، إلَّا لو ثبت في سبب نزول الآية ما قرره القرطبي وغيره بسند صريح، أو حديث ثابت صحيح. وإن معرفة سبب نزول آيةٍ ما متوقف على نقل صحيح لسبب نزولها، ولا يجوز أي قول فيه إلا برواية وتصريح بسماع ممن شاهد وعاين التنزيل ووقف على أسبابه، ألا وهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مما لا مجال فيه لاجتهاد، وحكمه حكم المرفوع إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأن مثله لا يُقالُ فيه بالرأي، وكذلك إن رويت أسباب النزول عمن تلقوا عن الصحابة رضي الله عنهم وهم أئمة التابعين، كطاوس بن كيسان اليماني، وسَعِيْدِ بْنِ جبير، ومُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ المَكِّيُّ، وعِكْرِمَةَ القُرَشِيِّ مولى ابن عباس، وأَبِي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، ومُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ المَدَنِيِّ، وعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاح القرشي المكي، والضَّحَّاك بْن مُزَاحِم، وغيرهم ممن أخذوا التفسير عن الصحابة الكرام ي، والذين انتشروا في الأمصار يعلمون الناس آي التنزيل وتأويل القرآن الحكيم.


(١) البحر المحيط (٧/ ١٨٩).
(٢) الألوسي (١٥/ ٤٤٦).
(٣) القاسمي (١٣/ ٤٨٠٢).

<<  <   >  >>