قَالَ: اقضِ عليَّ، وعَلى وَالِدي. قَالَ: فاكفِني حاشِيتَك. قَالَ: قد فعلتُ. فَكَانَت أول رُقْعة وَردت عَلَيْهِ خالصةُ جاريةُ الْمهْدي. فَجَاءَت لتتقدَّم الخصْم، فَقَالَ: وراءَك مَعَ خصْمِك مِراراً. فأبَتْ. فَقَالَ: وراءكِ بالخَنْاءُ قَالَت: يَا شيخُ، أَنْت أحمقُ. قَالَ: قد أخْبرتُ مَوْلَاك، فَأبى عَلي. فَجَاءَت إِلَى الْمهْدي تَشْكُو إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: الْزميِ بيتَكِ، وَلَا تعْرضي لَهُ. قَالَ ابنُ أبي ليلى: مَا لِقينا مِن هُنئ، كلما تُوجِّهت لنا قضيةٌ نقضَها علينا أَبُو حنيفَة. وَشهد أَبُو حنيفَة عِنْد شريك، فَلم يُجز شهادَته، وَقَالَ: يكف أجيزُ شهادةَ قوم يَزْعمُونَ أَن الصَّلاةَ ليستْ من الْإِيمَان. وَكَانَ بانُ شُبْرُمة يَقُول: لأنْ استعمِلَ خائناً بَصيرًا بعملِه أحَبُّ إليَّ من أَن أسْتَعْمل مُضيِّعا لَا يُبصِر العملَ. وَدخل سوَّارُ بن عبد الله عَليّ الْمَنْصُور - والمصحفُ من حجره، وعيناهُ تهملان - فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم. يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ يَا سوَّارُ، ألاَ مرّة على الْمُؤمنِينَ؟ ؟ هدمتَ ديني، وَذَهَبت بآخرتي، وأفسدت مَا كَانَ من صَالح عَمَلي. قَالَ سَّوارُ: فانتهزتُها فُرصةً، وطلبتُ ثَوَاب الله فِي عظته فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّك جديرٌ بالبُكاءِ، حقيقٌ بطُول الحُزن مَا أَقمت فِي الدُّنْيَا. وَقد استرعاك اللهُ أَمر الْمُسلمين، واستحفظك أَمْوَالهم، يَسْأَلك عَمَّا عملت فِيمَا أسترعاك فِي الْيَوْم الَّذِي أعلمت فِي كِتَابه، فَقَالَ " يَوْمئِذٍ يصدُرُ النَّاس أشتاتاً لُيروْا أَعْمَالهم. فَمن يَعملْ مِثْقالَ ذرَّةٍ خيرا يّرَهُ وَمن يعْمل مِثقْال ذَرَّة شرا يره ". فازداد بُكاءً، وَقَالَ: " يَا لَيْتَني مِتُّ قبلَ هَذَا وكُنْتُ نَسْياً مَنّسياً ". ثمَّ قَالَ يَا سوَّارُ إِنِّي أُعالج نَفسِي، وأُعاتبها مُنْذُ وليتُ أُمُور الْمُسلمين على حمل الدِّرّة على عُنقي، وَالْمَشْي فِي الْأَسْوَاق على قدمي، وَأَن أسدَّ بالجريش من الطَّعَام جوْعتي، وأوارىَ بأَخشن الثِّياب عورتي، وأضعَ قدر من أَرَادَ الدُّنيا، وَأَرْفَع قدْر من أَرَادَ الْآخِرَة، وسعى لَهَا، فَلم تُطْعني، وعصتْني، ونفرتْ نُفوراً شَدِيدا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute