للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: كَانَ أَحْمد يجدُّ مَعَ جَارِيَته وَابْنَته، وَيحيى يهزلُ مَعَ خَصمه وعدوِّه. وَكَانَ ابنُ أبي دواد يتَحَلَّل عَن أَن يُخَاطب بالوزارة، وَالْقَضَاء فَلَا يخاطبُ إِلَّا بالكُنيه. وَكَذَلِكَ روحُ بنُ حَاتِم المهلَّبي ولِي إفريقية وَالْبَصْرَة، والكوفة، وأرمينية وَغير ذَلِك، فَلم يُسُمَّ بالإمرة قطُّ، وَإِنَّمَا كَانَ يكنَّى بكُنيته، وَكَانَ يكنَّى أَبَا خلف. وَكَذَلِكَ السِّنديُّ بنُ شاهك. وَقَالَ ابنُ الزيَّات يَوْمًا لِابْنِ أبي دواد فِي مناظرة بَينهمَا: لستُ بنبطي، وَلَا دَعي - يعرض بِهِ. فَقَالَ: مَا دُونك أحدٌ فتنزل إِلَيْهِ، وَلَا فَوْقك من يقبلُك فتنتمي إِلَيْهِ. قَالَ الحسنُ بن وهب: شكرتُ أَبَا عبد الله أَحْمد بن أبي دواد على شَيْء كَانَ مِنْهُ. فَقَالَ لي: لَا أحُرَجك اللهُ، وَلَا إيّانا إلاّ أَن نَعْرِف مَالنا عِنْد الأصدقاء. وتخطى بعضُ بني هَاشم رِقَاب النَّاس عِنْد ابْن أبي دواد، فَقَالَ: يَا بُني، إِن الْأَدَب ميراثُ الْأَشْرَاف، وَلست أرى عِندك مِن سَلفِك مِيرَاثا. فاستحسَن كلامَه كلُّ من حضر. قَالَ الواثق يَوْمًا لِأَحْمَد بن أبي دواد فِي رجل حُمِل إِلَيْهِ من بعض النواحي: قد عزمَتُ على ضرب عُنقه. فَقَالَ: لَا يحِلّ لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: فأضربه بالسِّياط. قَالَ: ظهر الْمُسلم حِمى إِلَّا من حد. قَالَ لَهُ: أَنْت أبدا تعترض عَليّ. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أخافُ عَلَيْك العامَّة. قَالَ: وَمَا عَسى العامَّةُ تفعلُ؟ قَالَ: أقولُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَا تغْضب. قَالَ: قُل. قَالَ إِذا رأوْك قد جُرْت فِي الحكم، أخذُوا بِيَدِك فأقامُوك عَن مجْلِسِك، وأجْلْسوا غَيْرك. قَالَ: فأمْسك الواثقُ، وَلم يحر جَوَابا، وَزَالَ الْمَكْرُوه عنْ ذَلِك الرجل. وَقَالَ ابنُ أبي دْواد: موتُ الْأَحْرَار أشدُّ من ذهَاب الْأَمْوَال. وَقَالَ: الشجاعةُ شجاعةٌ فِي الْقلب، والبخلُ شجاعةٌ فِي الوَجْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>