دخل عبد الله بن عبد الله بن الْأَهْتَم على عمر بن عبد الْعَزِيز مَعَ الْعَامَّة فَلم يفاجأ عمر إِلَّا وَهُوَ ماثل بَين يَدَيْهِ، فَتكلم، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإِن الله خلق الْخلق غَنِيا عَن طاعتهم، آمنا من معصيتهم، وَالنَّاس يَوْمئِذٍ فِي الْمنَازل والرأي مُخْتَلفُونَ، وَالْعرب بشر تِلْكَ الْمنَازل، أهل الْحجر والوبر، وَأهل الْمدر الَّذين تحتار دونهم طَيّبَات الدُّنْيَا، ورفاغة عيشها، ميتهم فِي النَّار، وحيهم أعمى مَعَ لَا يُحْصى من المرغوب عَنهُ، والمزهود فِيهِ، فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن ينشر عَلَيْهِم رَحمته، بعث إِلَيْهِم رَسُولا من أنفسهم عَزِيزًا عَلَيْهِ مَا عنتوا، حَرِيصًا عَلَيْهِم، بِالْمُؤْمِنِينَ رءوفاً رحِيما، فَلم يمنعهُم ذَلِك من أَن جرحوه فِي جِسْمه، ولقبوه فِي اسْمه وَمَعَهُ كتاب من الله نَاطِق، لَا يرحل إِلَّا بأَمْره، وَلَا ينزل إِلَّا بِإِذْنِهِ، واضطروه إِلَى بطن غَار، فَلَمَّا أَمر بالعزيمة، انبسط لأمر الله لَونه، فأفلح الله حجَّته، وَأَعْلَى كَلمته، وَأظْهر دَعوته، وَفَارق الدُّنْيَا تقيا نقياً، ثمَّ قَامَ بعده أَبُو بكر فسلك سنته، وَأخذ بسبيله، وارتدت الْعَرَب، فَلم يقبل مِنْهُم بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الَّذِي كَانَ قَابلا مِنْهُم، فانتضى السيوف من أغمادها، وأوقد النيرَان من شعلها، ثمَّ ركب بِأَهْل الْحق إِلَى أهل الْبَاطِل، فَلم يبرح يفصل أوصالهم، ويسقي الأَرْض دِمَاءَهُمْ حَتَّى أدخلهم فِي الَّذِي خَرجُوا مِنْهُ، وقررهم بِالَّذِي نفروا مِنْهُ، وَقد كَانَ أصَاب من مَال الله بكرا يرتوي عَلَيْهِ، وحبشية ترْضع ولدا لَهُ، فَرَأى من ذَلِك غُصَّة عِنْد مَوته فِي حلقه، فَأدى ذَلِك إِلَى خَليفَة من بعده وَبرئ إِلَيْهِم مِنْهُ، وَفَارق الدُّنْيَا تقياً نقياً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute