للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بزرجمهر: " الْمُلُوك تعاقب بالهجران وَلَا تعاقب بالحرمان ". قَالَ أردشير: " الدّين أس، وَالْملك حارس، وَمَا لم يكن لَهُ أس فمهدوم، وَمَا لم يكن لَهُ حارس فضائع ". كَانَ على عهد كسْرَى رجل يَقُول: من يَشْتَرِي ثَلَاث كَلِمَات بِأَلف دِينَار؟ فيُطنز مِنْهُ، إِلَى أَن اتَّصل الْبَرِيد فأنهى خَبره إِلَى كسْرَى، فَأحْضرهُ وَسَأَلَهُ عَنْهَا. فالتمس إِحْضَار المَال فأحضر، فَقَالَ الرجل: لَيْسَ فِي النَّاس كلهم خير، فَقَالَ كسْرَى: هَذَا صَحِيح، ثمَّ قَالَ: وَلَا بُد مِنْهُم، فَقَالَ: صدقت، وَالثَّالِث أَي شَيْء؟ قَالَ: فالبسهم على قدر ذَلِك، فَقَالَ لَهُ كسْرَى: قد اسْتَوْجَبت المَال فَخذه، قَالَ: لَا حَاجَة لي بِهِ، قَالَ: فَلم طلبته؟ قَالَ: لِأَنِّي أردْت أَن أرى من يَشْتَرِي الْحِكْمَة بِالْمَالِ، فاجتهد بِهِ كسْرَى فِي قبُوله، فَأبى أَن يقبل. قَالَ كسْرَى لبَعض عماله: كَيفَ نومك بِاللَّيْلِ؟ قَالَ: أنامه كُله، قَالَ: أَحْسَنت لَو سُرقت مَا نمت هَذَا النّوم! . وَقَالَ لأَصْحَابه: أَي شَيْء أضرّ على الْإِنْسَان؟ قَالُوا: الْفقر، فَقَالَ كسْرَى: الشُّح أضرّ مِنْهُ؛ لِأَن الْفَقِير إِذا وجد اتَّسع، والشحيح لَا يَتَّسِع وَإِن وجد. وَكَانَ مُلُوك الْفرس إِذا بَلغهُمْ أَن كَلْبا مَاتَ فِي قَرْيَة لَا يعرف لمَوْته سَبَب أمروا بِأخذ أهل الْقرْيَة بِالْبَيِّنَةِ بِأَن الْكَلْب مَاتَ حتف أَنفه لم يمت جوعا. قَالَ بزرجمهر: لَا شرف إِلَّا شرف الْعقل، وَلَا غنى إِلَّا غنى النَّفس. قَالَ أنوشروان: العطلة تهيج الفكرة، والفكرة تهيج الْفِتْنَة. وَكَانَ على خَاتمه " لَا يكون عمرَان بِحَيْثُ بجور السُّلْطَان ". قَالَ بزرجمهر: أخيب النَّاس سعياً من أَقَامَ فِي دُنْيَاهُ على غير سداد، وارتحل إِلَى آخرته بِغَيْر زَاد. وَرَأى فَقِيرا جَاهِلا فَقَالَ: بئْسَمَا اجْتمع على هَذَا: فقر ينغص دُنْيَاهُ، وَجَهل يفْسد آخرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>