للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمضروب وَالْمقَام عَلَيْهِ وَفِيه وَفِي حميمه الْحُدُود، والداخل عَلَيْهِ بعز الْملك الذل فِي نَفسه وخاصته، فَكل هَؤُلَاءِ يجْرِي إِلَى مُتَابعَة أَعدَاء الْملك، ثمَّ يتَوَلَّد من كثرتهم أَن يجبن الْملك على الْإِقْدَام عَلَيْهِم؛ فَإِن إقدام الْملك على جَمِيع الرّعية تغرير بِملكه وَنَفسه، ويتولد من جبن الْوُلَاة عَن تَأْدِيب الْعَامَّة تَضْييع الثغور الَّتِي فِيهَا الأهم من ذَوي الدّين وَذَوي الْبَأْس؛ لِأَن الْملك إِذا سد الثغور بِخَاصَّة المناصحين لَهُ وخلت بِهِ الْعَامَّة الحاسدة والمعادية، لم يعد بذلك تدريبهم فِي الْحَرْب وتقويتهم فِي السِّلَاح، وتعليمهم المكيدة مَعَ البغضة، فهم عِنْد ذَلِك أقوى عَدو وأخفره وأخلفه للظفر، وَلَا بُد من استطراد هَذَا كُله إِذا ضيّع أَوله. فَمن ألغى مِنْكُم الرّعية بعدِي وَهِي على حَال أقسامها الْأَرْبَعَة - الَّتِي هِيَ: أَصْحَاب الدّين وَالْحَرب وَالتَّدْبِير والخدمة. من ذَلِك: الأساورة صنف، والعبّاد والنسّاك وسدنة النيرَان صنف، والكتّاب والمنجمون صنف والأطباء صنف، والزرّاع والمهّان والتجار صنف. فَلَا يكونن بإصلاح جسده أَشد اهتماماً مِنْهُ بإحياء تِلْكَ الْحَال، وتفتيش مَا يحدث فِيهَا من الدخلات؛ فَلَا يكونن لانتقاله عَن الْملك بأجزع مِنْهُ لانتقال صنف من هَذِه الْأَصْنَاف إِلَى غير مرتبته؛ لِأَن تنقل النَّاس عَن مَرَاتِبهمْ سريع فِي نقل الْملك عَن ملكه، إِمَّا إِلَى خلع وَإِمَّا إِلَى قتل؛ فَلَا يكونن من شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء بأوحش مِنْهُ من رَأس صَار ذَنبا، وذنب صَار رَأْسا، أَو يَد مَشْغُولَة أُحدثت فراغاً، أَو كهيم صَار ضريرا، أَو لئيم مرج. فَإِنَّهُ يتَوَلَّد من تنقل النَّاس عَن حالاتهم أَن يلْتَمس كل امْرِئ مِنْهُم فَوق مرتبته، فَإِذا انْتقل عَنْهَا أوشك أَن يرى أَشْيَاء أرفع مِمَّا انْتقل إِلَيْهِ فيغبط أَو ينافس فِيهِ. وَقد علمْتُم أَن من الرّعية أَقْوَامًا هم أقرب النَّاس إِلَى الْمُلُوك حَالا، وَفِي تنقل النَّاس عَن حالاتهم مطمعة للَّذين يلون الْمُلُوك فِي الْملك، ومطمعة للَّذين دون الَّذين يلون الْمُلُوك فِي تِلْكَ الْحَال، وَهَذَا لقاح بوار الْملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>