للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمن ألْقى مِنْكُم الرّعية وَقد أضيع أول أمرهَا فألفاها فِي اخْتِلَاف من الدّين، وَاخْتِلَاف من الْمَرَاتِب وضياع من الْعَامَّة، وَكَانَت بِهِ على المكاثرة قُوَّة فليكاثر بقوته ضعفهم، وليبادر بِالْأَخْذِ بأكظامهم قبل أَن يبادروا بِالْأَخْذِ بكظمه، وَلَا يَقُولَن أَخَاف العسف، فَإِنَّمَا يخَاف العسف - من يخَاف جريرة العسف - على نَفسه، وَأما إِذا كَانَ العسف لبَعض الرّعية صلاحاً لبقيتها، وراحة لَهُ وَلمن بَقِي مَعَه من الرّعية من النغل والدغل وَالْفساد فَلَا يكونن إِلَى شَيْء بأسرع مِنْهُ إِلَى ذَلِك، فَإِنَّهُ لَيْسَ نَفسه يعسف، وَلَا أهل مُوَافَقَته يعسف ولكنما يعسف عدوه. وَمن ألغى مِنْكُم الرّعية فِي حَال فَسَادهَا، وَلم ير بِنَفسِهِ عَلَيْهَا قُوَّة فِي صَلَاحهَا، فَلَا يكونن لقميص قمل بأسرع خلعاً مِنْهُ لما لبس من ذَلِك الْملك، وليأته الْبَوَار، إِذا أَتَاهُ، وَهُوَ غير مَذْكُور بشؤم وَلَا منوّه بِهِ فِي دناءة، وَلَا مهتوك بِهِ ستر مَا فِي يَدَيْهِ. وَاعْلَمُوا أَن فِيكُم من يستريح إِلَى اللَّهْو والدعة ثمَّ يديم من ذَلِك مَا يورّثه خلقا وَعَادَة فَيكون ذَلِك لقاح جد لَا لَهو فِيهِ، وتعب لَا خفض مَعَه، مَعَ الهجنة فِي الرَّأْي، والفضيحة فِي الذّكر، وَقد قَالَ الْأَولونَ منا: " لَهو رعية الصدْق بتقريظ الْمُلُوك وَلَهو مُلُوك الصدْق بالتودد إِلَى الرّعية ". وَاعْلَمُوا أَنه من شَاءَ مِنْكُم أَلا يسير بسيرة إِلَّا قُرّظت عَلَيْهِ فعل، وَمن شَاءَ مِنْكُم بعث الْعُيُون على نَفسه فأزكاها فَلم يكن النَّاس بِعَيْب نُفُوسهم بِأَعْلَم مِنْهُم بِعَيْبِهِ فعل. ثمَّ أَنه لَيْسَ مِنْكُم ملك إِلَّا كثير الذّكر لمن يَلِي الْأَمر بعده. وَمن فَسَاد الرّعية نشر أُمُور وُلَاة العهود، فَإِن فِي ذَلِك من الْفساد أَن أولّه دُخُول عَدَاوَة ممضة بَين الْملك ووليّ عَهده، وَلَيْسَ يتعادى متعاديان بأشد من أَن يسْعَى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي قطع سؤل صَاحبه، وَهَكَذَا الْملك ووليّ عَهده، لَا يسر الأرفع أَن يُعْطي الأوضع سؤله فِي فنائه، وَلَا يسر هَذَا الأوضع أَن يُعْطي الآخر سؤله فِي الْبَقَاء، وَمَتى كَانَ فَرح أَحدهمَا فِي الرَّاحَة من صَاحبه تدخل فِي كل وَاحِد وَحْشَة من صَاحبه فِي طَعَامه وَشَرَابه، وَمَتى تباينا بالتهمة يتَّخذ كل

<<  <  ج: ص:  >  >>