وَاعْلَمُوا انكم لن تقدروا على ختم أَفْوَاه النَّاس من الطعْن والإزراء عَلَيْكُم، وَلَا قدرَة بكم على أَن تجْعَلُوا الْقَبِيح حسنا. وَاعْلَمُوا أَن لِبَاس الْملك ومطعمه مقارب للباس السوقة ومطعمهم، وبالحري أَن يكون فرحهما بِمَا نالا من ذَلِك وَاحِدًا، وَلبس فضل الْملك على السوقة إِلَّا بقدرته على اقتناء المحامد واستفادة المكارم، فَإِن الْملك إِذا شَاءَ أحسن وَلَيْسَ السوقة كَذَلِك. وَاعْلَمُوا انه يحِق على الْملك مِنْكُم أَن يكون ألطف مَا يكون نظرا، أعظم مَا يكون خطراً، وَألا يذهب حسن أَثَره فِي الرّعية خَوفه لَهَا، وَألا يَسْتَغْنِي بتدبيره الْيَوْم عَن تَدْبِير غَد، وَأَن يكون حذره للملاقين أَشد من حذره للمباعدين وَأَن يَتَّقِي بطانة السوء أَشد من اتقائه عَامَّة السوء. " وَلَا يطمعنّ ملك فِي إصْلَاح الْعَامَّة إِذا لم يبْدَأ بتقويم الْخَاصَّة ". وَاعْلَمُوا أَن لكل ملك بطانة، وَأَن لكل رجل من بطانته بطانة، ثمَّ لكل امْرِئ من بطانة البطانة بطانة، - حَتَّى يجْتَمع فِي ذَلِك جَمِيع أهل المملكة، فَإِذا أَقَامَ الْملك بطانته - على حَال الصَّوَاب أَقَامَ كل امْرِئ مِنْهُم بطانته على مثل ذَلِك، حَتَّى تَجْتَمِع على الصّلاح عَامَّة الرّعية. وَاعْلَمُوا أَن الْملك مِنْكُم قد تهون عَلَيْهِ الْعُيُوب؛ لِأَنَّهُ لَا يُستقبلُ بهَا، وَإِن عَملهَا، حَتَّى يرى أَن النَّاس يتكاتمونها بَينهم كتكاتمهم إِيَّاه تِلْكَ الْعُيُوب، وَهَذَا من الْأَبْوَاب الداعية إِلَى طَاعَة الْهوى، وَطَاعَة الْهوى دَاعِيَة إِلَى غلبته " فَإِذا غلب الْهوى اشْتَدَّ علاجه من السوقة المغلوبة فضلا عَن الْملك الْغَالِب ". اتَّقوا بَابا وَاحِدًا طالما أمنته فضرني، وحذرته فنفعني، احْذَرُوا إفشاء السِّرّ عِنْد الصغار من أهليكم وخدمكم؛ فَإِنَّهُ لَا يصغر أحد مِنْهُم عَن حمل ذَلِك السِّرّ إِلَّا ضيّع مِنْهُ شَيْئا يَضَعهُ حَيْثُ تَكْرَهُونَ، إِمَّا سقطا وَإِمَّا عَبَثا، والسقط أَكثر ذَلِك. اجعلوا حديثكم لأهل الْمَرَاتِب، وحباءكم لأهل الْجِهَاد، وبشركم لأهل الدّين، وسركم عِنْد من يلْزمه خير ذَلِك وشره، وزينة وشينة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute