للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْلَمُوا أَن " صِحَة الظنون مَفَاتِيح الْيَقِين " وأنكم ستستيقنون من بعض رعيتكم بِخَير وَشر، وستظنون ببعضهم خيرا وشراً، فَمن استيقنتم مِنْهُ الْخَيْر وَالشَّر فليستيقن مِنْكُم بهما. وَمن ظننتموهما بِهِ فليظنهما بكم فِي أمره، فَعِنْدَ ذَلِك يَبْدُو من المحسن إحسانه، فيخالف الظَّن بِهِ فيغتبط وَمن الْمُسِيء إساءته فيصدّق الظَّن بِهِ فيندم. وَاعْلَمُوا أَن للشَّيْطَان فِي سَاعَات من الدَّهْر طَمَعا فِي السُّلْطَان عَلَيْكُم: مِنْهَا سَاعَة الْغَضَب والحرص والزهو، فَلَا تَكُونُوا لَهُ فِي شَيْء من سَاعَات الدَّهْر أَشد قتالاً مِنْكُم عِنْدهن حَتَّى تنقشعن. وَكَانَ يُقَال: " اتَّقِ مقارفة الْحَرِيص الْقَادِر؛ فَإِنَّهُ إِن رآك فِي الْقُوت رأى مِنْك أَخبث حالاتك، وَإِن رآك فِي الفضول لم يدعك وفضولك ". اسْتَعِينُوا بِالرَّأْيِ على الْهوى فَإِن ذَلِك تمْلِيك للرأي على الْهوى. وَاعْلَمُوا أَن من شَأْن الرَّأْي الاستخذاء للهوى، إِذا جرى الْهوى على عَادَته، وَقد عرفنَا رجَالًا كَانَ الرجل مِنْهُم يؤنس من قُوَّة طباعه ونبالة رَأْيه مَا تريه نَفسه أَنه على إزاحة الْهوى عَنهُ - وَإِن جرى على عَادَته، ومعاودته الرَّأْي وَإِن طَال بِهِ عَهده - قَادر، لثقة يجدهَا بِقُوَّة الرَّأْي، فَإِذا تمكن الْهوى مِنْهُ فسخ عزم رَأْيه، حَتَّى يُسَمِّيه كثير من النَّاس نَاقِصا فِي الْعقل، فَأَما البصراء فبستبينون من عقله عِنْد غَايَة الْهوى عَلَيْهِ مَا يستبان من الأَرْض الطّيبَة الْموَات. وَاعْلَمُوا أَن فِي الرّعية صنفا من النَّاس هم بإساءة الْوَالِي أفرح مِنْهُم بإحسانه وَإِن كَانَ الْوَالِي لم يترهم، وَكَانَ الزَّمَان لم ينكبهم، وَذَلِكَ لاستطراف حادثات الْأَخْبَار فَإِن استطراف الْأَخْبَار مَعْرُوف من أَخْلَاق حَشْو النَّاس، ثمَّ لَا طرفَة عِنْدهم إِلَّا فِيمَا اشْتهر؛ فَجمعُوا فِي ذَلِك سرُور كل عَدو لَهُم ولعامتهم مَعَ مَا وتروا بِهِ أنفسهم وولاتهم. فَلَا دَوَاء لأولئك إِلَّا بالأشغال.

<<  <  ج: ص:  >  >>