وَفِي الرّعية صنف وتروا النَّاس كلهم، وهم الَّذين قووا على جفوة الْوُلَاة، وَمن قوي على جفونهم فَهُوَ غير سَاد ثغرا، وَلَا مناصح إِمَامًا، وَمن غش الإِمَام فقد غش النَّاس طرا وَإِن ظن أَنه للعامة مناصح. وَكَانَ يُقَال: " من لم ينصح عملا من غش عَامله ". وَفِي الرّعية صنف تركُوا إتْيَان الْمُلُوك من قبل أَبْوَابهم وأتوهم من قبل وزرائهم، فَليعلم الْملك مِنْكُم أَنه من أَتَاهُ من قبل بَابه فقد آثره بنصيحة إِن كَانَت عِنْده، وَمن اتاه من قبل وزرائه فَهُوَ مُؤثر للوزير على الْملك فِي جَمِيع مَا يَقُول وَيفْعل. وَفِي الرّعية صنف دعوا إِلَى أنفسهم الجاه بالأياء وَالرَّدّ لَهُ ووجدوا ذَلِك عِنْد المغفلين نافقاً، وَرُبمَا قرّب الْملك الرجل من أُولَئِكَ لغير نبل فِي رَأْي، وَلَا إِجْزَاء فِي الْعَمَل، وَلَكِن الأياء وَالرَّدّ أغرباه. وَفِي الرّعية صنف أظهرُوا التَّوَاضُع واستشعروا الْكبر، فالرجل مِنْهُم يعظ الْمُلُوك زارياً عَلَيْهِم بِالْمَوْعِظَةِ، يعْتد ذَلِك تقربّاً إِلَيْهِم، ويتخذ ذَلِك أسهل طريقي طعنه عَلَيْهِم: ويسمّى ذَلِك هُوَ وَكثير مِمَّن مَعَه تحرياً للدّين؛ فَإِذا أَرَادَ الْملك هوانهم لم يعرف لَهُم ذَنبا يهانون عَلَيْهِ، وَإِذا أَرَادَ إكرامهم فَهِيَ منزلَة حبوا بهَا أنفسهم على رغم الْمُلُوك، وَإِن أَرَادَ إسكاتهم كَانَ السماع فِي ذَلِك أَنه استثقل مَا عِنْدهم من حفظ الدّين، وَإِن أمروا بالْكلَام قَالُوا: إِنَّمَا نفسد وَلَا نصلح، فَأُولَئِك أَعدَاء الدول وآفات الْمُلُوك: فَالرَّأْي للملوك تقريبهم من الدُّنْيَا، فَإِنَّهُم إِلَيْهَا أجروا، وفيهَا عمِلُوا، وَلها سعوا، وَإِيَّاهَا أَرَادوا، فَإِذا تلوثوا بهَا بَدَت فضائحهم، وَإِن امْتَنعُوا مِمَّا فِي أَيدي الْمُلُوك فَإِن فِيمَا يحدثُونَ مَا يَجْعَل للملوك سلّماً إِلَى سفك دِمَائِهِمْ. وَكَانَ بعض الْمُلُوك يَقُول: " الْقَتْل أقل للْقَتْل ". وَفِي الرّعية صنف أَتَوا الْمُلُوك من قبل النصائح لَهُم، والتمسوا إصْلَاح مَنَازِلهمْ بإفساد منَازِل النَّاس، فَأُولَئِك أَعدَاء النَّاس، وأعداء الْمُلُوك " وَمن عادى الْمُلُوك وَجَمِيع النَّاس والرعية فقد عادى نَفسه ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute