للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجعلوا الْملك لَا يَنْبَغِي إِلَّا لأبناء الْمُلُوك من بَنَات عمومتهم، وَلَا يصلح من أَوْلَاد بَنَات الْعم إِلَّا كَامِل غير سخيف الْعقل، وَلَا عَازِب الرَّأْي، وَلَا نَاقص الْجَوَارِح، وَلَا معتوب عَلَيْهِ فِي الدّين؛ فَإِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك قلّ طلاب الْملك، وَإِذا قلّ طلابه استراح كل امْرِئ إِلَى مَا يَلِيهِ، وَنزع إِلَى جديلته، وَعرف حَاله، وغض بَصَره، وَرَضي بمعيشته، واستطاب زَمَانه. وَاعْلَمُوا أَنه سَيَقُولُ قَائِل من عرض رعيتكم أَو من ذَوي قرابتكم: مَا لأحد عليّ فضل لَو كَانَ لي ملك، فَإِذا قَالَ ذَلِك فقد تمنى الْملك وَهُوَ لَا يشْعر، ويوشك أَن يتمناه بعد ذَلِك وَهُوَ يشْعر، فَلَا يرى ذَلِك من رَأْيه خطلاً، وَلَا من فعله زللا، وَإِنَّمَا يسْتَخْرج ذَلِك فرَاغ الْقلب وَاللِّسَان مِمَّا يُكَلف أهل الدّين والكتّاب والحسّاب، أَو فرَاغ الْيَد مِمَّا يُكَلف الأساورة، أَو فرَاغ الْبدن مِمَّا يكلّف التُّجَّار والمهنة والخدم. وَاعْلَمُوا أَنا على فضل قوتنا، وَإجَابَة الْأُمُور إياناً، وَجدّة دولتنا، وَشدَّة بَأْس أنصارنا، وَحسن نِيَّة وزرائنا لم نستطع إحكام تفتيش النَّاس حَتَّى بلغنَا من الرّعية مَكْرُوها، وَمن أَنْفُسنَا مجهودها. وَاعْلَمُوا أَن الْملك ورعيته جَمِيعًا يحِق عَلَيْهِم أَلا يكون للفراغ عِنْدهم مَوضِع " فَإِن التضييع فِي فرَاغ الْملك، وَفَسَاد المملكة فِي فرَاغ الرّعية ". وَاعْلَمُوا أَنه لَا بُد من سخط سيحدث مِنْكُم على بعض إخْوَانكُمْ المعروفين بِالنَّصِيحَةِ لكم، وَلَا بُد من رضى سيحدث لكم على بعض أعدائكم المعروفين بالغش لكم، فَلَا تُحدثوا، عِنْدَمَا يكون من ذَلِك، انقباضاً عَن الْمَعْرُوف بِالنَّصِيحَةِ، وَلَا استرسالاً إِلَى الْمَعْرُوف بالغش. وَقد خلّفت لكم رَأْيِي إِذْ لم أستطع تخليف بدني، وَقد حبوتكم بِمَا حبوت بِهِ نَفسِي، وقضيت حقكم فِيمَا آسيتكم بِهِ من رَأْيِي، فاقضوا حَقي بالتشفيع لي فِي صَلَاح أَنفسكُم والتمسك بعهدي إِلَيْكُم، فَإِنِّي قد عهِدت إِلَيْكُم عهدي وَفِيه صَلَاح جَمِيع ملوككم وعامتكم وخاصتكم، وَلنْ تضيعوا مَا احتفظتم بِمَا رسمت لكم مَا لم تضعوا غَيره، فَإِذا تمسكتم بِهِ كَانَ عَلامَة فِي بقائكم مَا بَقِي الدَّهْر.

<<  <  ج: ص:  >  >>