وقف رجل حسن الشارة، جميل البزة حُلْو الْإِشَارَة، على الْمبرد فَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة، فأحال ولحن وتسكع، فَقَالَ لَهُ الْمبرد: يَا هَذَا أنصفنا من نَفسك إِمَّا أَن تلبس على قدر كلامك، وَإِمَّا أَن تَتَكَلَّم على قدر بزتك. قَالَ الْمبرد: كَانَت فِي أَخْلَاق الْحسن بن رَجَاء شراسة، وَفِي كَفه ضيق، فَكتبت إِلَيْهِ: النَّاس - أعز الله الْأَمِير - رجلَانِ: حر وَعبد، فثمن الْحر الْإِكْرَام، وَثمن العَبْد الإنعام، فأصلحه هَذَا القَوْل - لي ولغيري - مُدَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى طبعه. وَقَالَ الْمبرد: إِذا عمل الرجل كتابا أَو قَالَ شعرًا فقد استهدف، فَإِن أحسن فقد استشرف، وَإِن أَسَاءَ فقد استقذف. قَالَ أَبُو العيناء: مَا رَأَيْت مثل الْأَصْمَعِي قطّ، أنْشد بَيْتا من الشّعْر فاختلس الْإِعْرَاب ثمَّ قَالَ: سَمِعت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: كَلَام الْعَرَب الدرج. وحَدثني عبد الله بن سوار أَن أَبَاهُ قَالَ: الْعَرَب تجتاز بالإعراب اجتيازاً. وحَدثني عِيسَى بن عمرَان أَن أبي إِسْحَاق قَالَ: الْعَرَب ترفرف على الْإِعْرَاب وَلَا تتفيهق فِيهِ. وَسمعت يُونُس يَقُول: الْعَرَب تشام الْإِعْرَاب وَلَا تحَققه. وَسمعت الخشخاش بن جناب يَقُول: الْعَرَب تقع بالإعراب وَكَأَنَّهَا لم ترده. وَسمعت أَبَا الْخطاب يَقُول: إِعْرَاب الْعَرَب الخطف والحذف، قَالَ: فتعجب كل من حضر مِنْهُ. قَالَ أَحْمد بن المعذل: لما جَاءَنَا الْأَخْفَش ليؤدبنا قَالَ: جنبوني ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَن تَقولُوا: بس، وَأَن تَقولُوا: هم، وَلَيْسَ لفُلَان بخت. قَالَ الصولي: قَالَ لي مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِسْحَاق وَقد تَذَاكرنَا فضل الْمبرد فَقَالَ: مَا رأى مثل نَفسه؛ دخل إِلَى عِيسَى بن فرخانشاه - وَقد رَضِي لَهُ بعد أَن غضب عَلَيْهِ - فَقَالَ لَهُ: أعزّك الله، لَوْلَا تجرع مرَارَة الْغَضَب مَا التذت حلاوة الرضى، وَلَا يحس مدح الصفو إِلَّا عِنْد ذمّ الكدر، وَلَقَد أحسن هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute