للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخذ سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن هُبَيْرَة بِأَلف ألف دِرْهَم، فَأتى يزِيد بن الْمُهلب فَقَالَ: زَاد الله فِي توفيقك وسرورك، أُخذت بِمَا لم يَسعهُ مَالِي، فَقلت: مَا لما نزل بِي إِلَّا السَّيِّد الْكَرِيم، مدره الْعَرَب، ووزير الْخَلِيفَة، وَصَاحب الْمشرق. فَقَامَ رجل من قوم ابْن هُبَيْرَة فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير، إِنَّه مَا خص هَذَا عمّنا، وَقد أَتَيْنَاك فِيمَا شكا، فَإِن تكفه فَلَيْسَ بِأَعْجَب مَا فِيك، وَإِن تَدْفَعهُ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرك. وَقَامَ آخر فَقَالَ: لَو أصبْنَا أحد فَوْقك اخترناه، أَو دُونك انحططنا إِلَيْهِ، وَقد أَتَيْنَاك فِيمَا فدحه فَإِن تستقلله فقد تُرجى لأكْثر، وَإِن تستكثره فقد تضطلع دونه، فوَاللَّه مَا الدُّخان بأدل على النَّار، والعجاج على الرّيح، من ظَاهر أَمرك على بَاطِنه. وَقَامَ آخر فَقَالَ: عظم شَأْنك أَن يستعان عَلَيْك أَو يستعان بك، وَلست تَأتي شَيْئا من الْمَعْرُوف إِلَّا صغر عَنْك، وعظمت عَنهُ، وَلَا غَايَة بلغَهَا أحد من الْعَرَب إِلَّا بلغتهَا، فحظك فِيهَا مقدم، وحقك فِيهَا مُعظم، لَا نقيسك بِأحد من الْمُلُوك إِلَّا عظمت عَنهُ، وَلَا نزنك بِأحد مِنْهُم إِلَّا رجحت بِهِ، وَالله مَا الْعجب أَن تفعل، وَلَكِن الْعجب أَلا تفعل. فَقَالَ يزِيد: مرْحَبًا بكم، وَأهلا، إِن خير المَال مَا قضي بِهِ الْحق، وابتُني بِهِ المكرمة، وَإِنَّمَا لي من مَالِي مَا فضل عَن النَّاس، وأيم الله أَن لَو أعلم أحدا أَهلا لحاجتكم مني أرشدتكم إِلَيْهِ، فاحتكموا وَأَكْثرُوا، فَقَالَ ابْن هُبَيْرَة: النّصْف أصلحك الله، فَقَالَ: آغد على مَالك فاقبضه، فدعوا لَهُ وَقَامُوا فَمَضَوْا غير بعيد، فَنَدِمُوا، فَظن ذَلِك بهم يزِيد، فَقَالَ: ردوهم، فَرَجَعُوا فَقَالُوا: أقلنا أصلحك الله، قَالَ: قد فعلت، وتحملها كلهَا عَنهُ. قَالَ ابْن عَبَّاس قدم علينا الْوَلِيد بن عتبَة الْمَدِينَة والياً كَأَن وَجهه ورقة مصحف، فوَاللَّه مَا ترك فِينَا عانياً إِلَّا فكّه، وَلَا غريماً إِلَّا أدّى عَنهُ، ينظر إِلَيْنَا بِعَين أرق من المَاء ويكلمنا بِكَلَام أحلى من الجنى، وَلَقَد شهِدت مِنْهُ مشهداً لَو كَانَ من مُعَاوِيَة لذكرته مِنْهُ أبدا: تغدينا عِنْده، فَأقبل الخباز بالصحفة، فعثر بوسادة، وبدرت الصحفة من يَده، فوَاللَّه مَا ردّها إِلَّا ذقنه، وَصَارَ مَا فِيهَا فِي حجره، ومثُل الْغُلَام وَمَا فِيهِ من الرّوح إِلَّا مَا يُقيم رجله، فَقَامَ فَدخل فَغير

<<  <  ج: ص:  >  >>